وقفه مع الخلافة الراشدة ” الجزء الخامس والعشرون “

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس والعشرون مع الخلافة الراشدة، وقد تفاوت الخلفاء الراشدون في منهج تطبيقهم للشورى وتعاملهم مع السياسة، فكان الخليفة أبو بكر الصديق على سبيل المثال يستشير ثم يقرر، فيما كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يستشير ثم ينفذ ولم يكن مجلس الشورى في عصر الراشدين يتألف من عدد محدد من الناس، ولم تكن آراء أهل الشورى ملزمة للخليفة، ولم تكن تتخذ القرارات فيه بالأغلبية أو بالجماعة، بل كان البت الأخير في الأمر للخليفة نفسه، وقد اعتمد الخليفة أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان بصورة كبيرة على الشورى، فكانت لها آثار إيجابية كبيرة خلال فترات حكمهم، وساعدت على اتخاذ وتسوية القرارات والخلافات.
في تدبير شؤون الدولة، لكن من جهة أخرى، اختلفت هذه الحال في عهد الإمام علي بن أبى طالب، ففي بداية حكمه كان يستشير صحابة المدينة مثل باقي الراشدين، وكانت أمور الشورى تسير جيدا، إلا أنه بعد انتقاله إلى الكوفة لم يكن حوله من يعتمد عليه من الصحابة، فقد أصبح معظم من حوله من جيل التابعين الأقل منزلة، فخسرت الشورى نتائجها المرجوة التي حقَّقتها في عهد من سبقوه من الخلفاء، ورغم أن الشورى استمرت في الدولة الإسلامية بعد انقضاء عهد الراشدين، فإنها لم تكتسب قط الأهمية والقوة التي اكتسبتها في عهدهم، وكان للشورى في عهد الخلفاء الراشدين أمثلة كثيرة، كان منها ما عقب وفاة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مباشرة.
حيث كان قد أعد جيشا بقيادة أسامة بن زيد لغزو الدولة البيزنطية، وعسكر الجيش خارج المدينة ينتظر حشد المقاتلين، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم توفى في هذه الأثناء، وبدأت حركة الردة، وأمر أبو بكر الصديق أسامة بالسير بجيشه، لكن عددا من الصحابة قلقوا من تهديد المرتدين للمدينة بينما يتجه كل رجاله لغزو الروم، فجاء إلى أبي بكر الصديق، عمر وعثمان وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد، وطلبوا منه تأجيل حملة أسامة إلى ما بعد القضاء على حركة الردة، حتى يأمنوا خطر المرتدين، إلا أن أبا بكر الصديق أقنعهم بعد أن ذكرهم بتوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بإنفاذ حملة أسامة وهو على فراش الموت.
وقد أعاد أبو بكر الصديق الكرة عند وفاته، حيث طلب من الصحابة في البداية اختيار خليفتهم بأنفسهم، فلما احتاروا في أمرهم طلبوا منه أن يرشح لهم أحدا، ففكر في عمر بن الخطاب، وأخذ يشاور الصحابة في أمره، حتى قرر ترشيحه للخلافة، ويمكن القول أن مجلس شورى أبي بكر الصديق تألف بصورة أساسية من عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت، وقد اتسم جهاز الشرطة في عهد الخلافة الراشدة بالبساطة، وكان في البداية تابعا للنظام القضائي يُعنى بتطبيق الأحكام القضائية، ثم تطور فانفصل عن القضاء وصار لكل مدينة نظام شرطة، ولم يكن للشرطة وجود حقيقي طوال عهدي أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب.
حيث كانت الدولة عسكرية اعتمدت في الجيش على حماية أمنها، لكن الحاجة برزت للشرطة بعد انقضاء عهد عمر بن الخطاب وكان أول من أسس نظام العسس للقيام بمهام الشرطة في الليل هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، والذي كان يتولى مهام العسس هذه بنفسه مع الصحابي عبد الرحمن بن عوف، وكان كذلك أول من أنشأ حبسا لاعتقال الجناة أطلق عليه السجن بعد أن كان هؤلاء يحبسون في المساجد، ثم قام عثمان بن عفان بتأسيس أجهزة شرطة في الولايات والأقاليم، فكان أول من أنشأ جهاز الشرطة في الدولة الراشدة، وقام من بعده الإمام علي بن أبي طالب بتنظيم جهاز الشرطة في عهده، وعين له رئيسا يسمى صاحب الشرطة، وعُرفت هذه باسم شرطة الخميس.