دين ودنيا

فى طريق المعرفه ومع المفسدين فى الأرض ” الجزء السادس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع المفسدين فى الأرض، وليس الإفساد قاصرا على الرجال فقط بل هناك نساء تركز جهودها على إفساد حياة آخرين وأخريات وتجيد اللعب بمهارة، ويكون صيدهن من الرجال كبار السن أصحاب المناصب والمال، ولأنها تعلم ما ينقصهم في هذه المرحلة العمرية الحرجة، وعلى يقين أيضا بما تريده وتعمل عليه، فهى توفق وتكلل بالنجاح وتبدأ مسلسلها بكلمة، أحبك، وتضيف عليها بأننى لا أنظر لأى فوارق عمرية، وأيضا تؤكد لضحيتها أنها لن تستطيع العيش بدونه، وأنها ترضى فقط بأن تظل بجواره، ولا يعنيها إطلاقا كونه متزوجا، أو أبا أو حتى جد، فهى رمت شباكها بمهارة ووقع صيدها وسعد جدا وظن كل الظن أنه دون جوان عصره وزمانه واستجاب لدعوتها وغير من شكله وطريقة لبسه ليقنع نفسه بأنه شاب وأنها معجبة إن لم تكن واقعة في غرامه وهيامه، ولأنها تتعامل بذكاء وبهدف سام من وجهة نظرها المريضة فلا تدخر وقتا ولا جهدا في أن تكون تابعة له وتتواجد معه في كل مكان وفى أي زمان، وبالطبع المنظومة تسير لصالحها ويتم الإفساد بنجاح ويكره من أفسدته، بيته، وأسرته، ويهجرهم ويحرص كل الحرص على الالتصاق بالشابة الجديدة، ويفكر في شىء واحد وهو نفسه وإسعادها.

ويترك بيتا مليئا بالتعاسة ولسان حال أهله كلهم يقول فسدت حياتنا، وتصبح زوجته وأبناءه إن كان له أبناء ترسا في دائرة المتألمين الذين يحملون بداخلهم قلوبا إن لم تصبح فاسدة فهى حزينة منكسرة متألمة وينقصها الإحساس بالأمن والأمان لأنها وجدت أن من كان يراد منه الحرص على إسعادهم وحمايتهم قد أصبح هو من أفسد حياتهم وصبغها بكل الألوان الحزينة واحتفظ لنفسه فقط بطريقة سعيدة كما يرى ويهوى ويظن، فإنه ليس المفسد في الأرض فقط تلك الفئة الضالة ولكن هناك أيضا من يسرقون مبادئنا، ويشوهون ملامحنا ويغيرون مفاهيمنا الحقة، فالمفسدون يتكاثرون كأبغض المخلوقات التي تملأ الأرض نسلا في أقل وقت ممكن، ولأنهم يعيثون في القلوب فسادا، فلذا وجب أن نحذر منهم، فقد تواترت النصوص الشرعية في الكتاب والسُنة في الحديث عن الفاسدين والمفسدين، وبيان صفاتهم وأماراتهم، ليكون الناس على بيِنة من أمرهم، فيحذروهم ويدركوا العقلية المنحرفة والموازين المضطربة التي يتعامل بها أولئك المفسدون مع غيرهم، وقد تكاثر هؤلاء المفسدون في عصرنا الحاضر، وتعددت راياتهم، وتفننوا في ابتكار صنوف الفساد والإفساد في كل الميادين، وكان وجودهم من الأسباب الرئيسية لتخلف الأمة.

وتردي مكانتها، من أجل ذلك كان من الواجب علينا أن نتدارس صفاتهم بيانا للحقيقة، وإيقاظا للأمة، وتحذيرا من تغول المفسدين وطغيانهم في البلاد، وإن من أبرز الصفات التي جاء بيانها في القرآن الكريم بإن الصفة الأولى هى العلو والاستكبار في الأرض فالعلو والطغيان والاستكبار في الأرض صفات ملازمة للمفسدين، كما قال تعالى فى سورة القصص ” تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والغاقبة للمتقين ” وبضدها تتبين الأشياء، وكما قال سبحانه فى سورة الفجر ” وفرعون ذى الأوتاد، الذين طغوا فى البلاد، فأكثروا فيها الفسادوإن من علامات هذا العلو والطغيان هو تطاول المفسدين على الضعفاء وانتهاك كرامتهم والتعدي على حقوقهم، كما قال الله عز وجل فى سورة القصص ” إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين ” وأما عن الصفة الثانية، فهى زخرفة القول بالباطل فالمفسدون يتدثرون بحلاوة اللسان وزخرفة القول بالباطل، ليخدعوا الناس، ويلبسوا عليهم بتغيير الحقيقة ونكران الواقع، وادعاء الرأفة والرحمة بالخلق، وربما عقدوا الأيمان الكاذبة إمعانا في التلبيس والكذب، ولقد زادت قدرتهم في الخداع.

والتلبيس بتعدد وسائل الإعلام المعاصرة التي أسهمت في تزييف الواقع وخداع الرأي العام، وأما عن الصفة الثالثة، فهى الصدُ عن سبيل الله فحال المفسدين الذين يزينون للناس الباطل ويصدونهم عن سبيل الحق، كمثل قطاع الطرق الذين يعترضون سبيل الناس ويسعون في الأرض فسادا، فقال الله تعالى في وصف هؤلاء المفسدين كما جاء فى سورة الأعراف ” ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ” وقال فيهم عز وجل كما جاء فى سورة النحل ” الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ” وطرائق المفسدين في الصد عن سبيل الله تعالى تتنوع وتتجدد بتجدد الأماكن والأزمان، ويجمعهم وصف الله تعالى لهم في قوله جل شأنه كما جاء فى سورة لقمان ” ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ” وكذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ” دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ” رواه البخاري، وأما الصفة الرابعة، فهى الغش والخيانة غش الأمة وخيانتها صفة ملازمة للمفسدين في جميع العصور والأمكنة.

لأنهم لا أمانة لهم، ولهذا تراهم يتساقطون في دركات الخيانة وغش الأمة والمجتمع، لتحقيق مصالح شخصية مزعومة، وما أسهل أن يبيع المفسد دينه ويخون أمته، فقال الله تعالى مبينا لونا من ألوان الغش الذي يتميز به المفسدون وهو الغش الاقتصادي كما جاء فى سورة الشعراء ” أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاط المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ” وقال الله عز وجل فى سورة هود ” ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ” وإن سياسة الكيل بمكيالين وبخس الناس أشياءهم، هى سياسة متجذرة في أخلاق المفسدين، وأما الصفة الخامسة، فهى إشاعة الفاحشة، فإن من مخازي المفسدين أنهم يسعون لإشاعة الفاحشة في المجتمع، ويؤسسون مراكز ونواد لنشر المنكر، وإفساد الأخلاق والقيم الاجتماعية بلا حياء ولا خجل، وتأمل حال كثير من القنوات الفضائية لترى كيف يلهث أولئك المفسدون لإشاعة الفواحش وتحطيم القيم ومحاربة الفضيلة، وقد قال الله عز وجل فى سورة العنكبوت ” ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر”

“فما جواب قومه إلا أن قالوا أئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، قال رب انصرنى على القوم المفسدين ” وأما الصفة السادسة فهى انقلاب الموازين من مخازي المفسدين وسوءاتهم أنهم يقلبون الموازين، ويزيفون الحقائق، ويسمون الأمور بغير مسمياتها ولهذا قال الله عز وجل في وصفهم كما جاء فى سورة البقرة ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ” وهذا من تقليب الأمور الذي جاء بيانه في قوله تعالى كما جاء فى سورة التوبة ” لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور ” وتأمل العقلية الفرعونية الطاغية التي تتجدد في كل عصر وتجتهد في قلب الحقائق، فكان فرعون يزعم أنه يحافظ على دين قومه من تبديل موسى عليه الصلاة والسلام أو إظهاره الفساد في الأرض، وهكذا هي سنة المفسدين في كل عصر، يعترضون طريق المصلحين ويشوهون صورتهم، ويزعمون أنهم وحدهم الدعاة إلى الإصلاح والنهضة في المجتمع، على الرغم من أن مشروعهم في الحقيقة لا يعدو أن يكون إفسادا للمجتمع وتشويها لهويته ومنهاجه، فكانت هذه هى بعض صفات المفسدين، وعندما نقرأها بعين واعية ونتأمل أخبار المفسدين عبر التاريخ الماضي أو الحاضر.

أيا كانت مواقعهم، فسنجد اجتماع المفسدين على التخلق بهذه الصفات المذمومة، ليصدق عليهم قول الله جل شأنه كما جاء فى سورة الذاريات “ أتواصوا به بل هم قوم طاغون ” ولقد سقطت البلاد العربية في مستنقعات الفساد ردحا طويلا من الزمن، واستضعف المفسدون شعوبهم، فأسرفوا في التعدي على حرمات الدين وحقوق المجتمع وكرامة الإنسان، وتحول الفساد في كثير من الأحيان من ممارسات شاذة محدودة لبعض الناس إلى مأسسة له وتبن لنواديه ورعاية لمنابره، ولهذا كان واجب المصلحين حقا أن يواجهوا أولئك السفهاء، ويأخذوا على أيديهم، ويبصروا المجتمع بمخازيهم، امتثالًا لقول الله عز وجل كما جاء فى سورة هود ” فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد فى الأرض ” وقوله عز وجل كما جاء فى سورة الشعراء ” الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون ” فإذا تأملت الآيات التي ذكر الله فيها الإفساد فنجد أن الله عز وجل إذا ذكر الإفساد بهذا اللفظ نفى الإصلاح ، أو ذكره معـه، لنعلم أن المفسدين يـفسدون في الأرض ولا يصلحون، ولعلنا نتتبع الآيات التي ورد فيها ذكر الإفساد لنتعرف على أنواع الإفساد وصوره ومنها الشرك بالله فهو إفساد، فقال الله تبارك وتعالى ” الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانون يفسدون ” .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock