مقالات

وقفه مع رمضان شهر العزة والنصر ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع رمضان شهر العزة والنصر، وقد توقفنا مع غزوة بدر ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لديه استطلاعات قوية واستخبارات عسكرية وسرايا استكشافية توصل له الأخبار وترصد له تحركات العدو فصلى الله عليك يا رسول الله كنت المثل الأعلى في العبادة والقائد الأعلى في الحرب والرجل الأسمى في تسيير شئون الدولة الإسلامية من كل نواحيها، فيقول الله عز وجل كما جاء فى سورة الفتح ” محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ” فقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة المباركة أن يُعلم المسلمين درسا فى الشجاعة والإقدام والبسالة وترك الإحجام وطرد الجبن والخوف من أعداء الإسلام، وأراد أن يحيى في الأمة العزة والإباء والشموخ والكبرياء والبطولة والفداء ليعلمهم أن المسلمين بإسلامهم أقوياء وأنهم بإيمانهم أعزاء وبعقيدتهم أشداء، وأراد صلى الله عليه وسلم أن يعلم المشركين أن عهد الذل قد مضى.

ومرحلة الاستضعاف قد انتهت وزمن الهوان قد ولى، وأراد صلى الله عليه وسلم ليضربهم فى هذا الغزوة المباركة ضربة تقضي على غطرستهم وتدمر قوتهم وتقصم ظهورهم وتدوخ قادتهم وتقصم ظهورهم وتضعف اقتصادهم وتؤلم قلوبهم ليعلموا أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولقد كان ميزان القوة بين المسلمين وبين عدوهم في هذه الغزوة هائلا والاختلاف في العدة والعتاد كبيرا والفرق بين القوتين واسعا فجيش الكفار فى هذه الغزوة يفوق جيش المسلمين بثلاثة أضعاف والعتاد الحربى لا يقارن بين هؤلاء وهؤلاء حيث كان لدى المسلمين فى هذه المعركة فرس واحد أو فرسان وسبعون بعيرا يتعاقبون عليها فكان الرجلان والثلاثة يتعاقبون على البعير الواحد، أما المشركون فقد كانوا ألفا وثلاثمائة مقاتل ومعهم مائة فرس وستمائة درع وجمال كثيرة لا يعلمها إلا الله، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القوة الهائلة وهذا الجمع الكبير قال أقبلوا بحدهم وحديدهم يحاربون الله ويحاربون رسوله وقرأ كلام الله عز وجل من سورة القمر.

” سيهزم الجمع ويولون الدبر” فكانت تحركات هائلة وجيش عرمرم وزحف كبير لم يستعد له المسلمون استعدادا كاملا ولم يتهيؤوا لمواجهته وحربه وإنما خرجوا فقط للاستيلاء على القافلة وضربها ضربة مباغتة ومن ثم الرجوع إلى المدينة ولكن الله أراد أن يقضى أمرا كان مفعولا، فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لابد من موقف بطولى يكسر هذه القوة ويصد هذه الغطرسة حتى لا تزحف نحو المدينة فلو تركهم يسيحون ويواصلون المسير فإن شرهم سيتعاظم ونفوذهم سيقوى وخطرهم سيصل إلى المدينة نفسها وسيجهزون على الدولة الإسلامية في مهدها، فقرر صلى الله عليه وسلم في نفسه الحرب واتخذ هذا الرأى ولكن لابد من وضع الرأى للشورى وتداوله مع المسلمين حتى يكون القرار جماعيا وموحدا، فماذا تتوقعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل اعتذروا عن المشاركة؟ وهل تعذروا باختلاف موازين القوى بينهم وبين عدوهم؟ وهل قالوا يا رسول الله نحن أقلة وقوتنا ضعيفة ولم نستعد للقتال؟

ولكن ماذا قالوا فى مجلس الاستشارة فقد قام أبوبكر الصديق رضى الله عنه فتكلم فأحسن ثم قام عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمر رضى الله عنه فقال يا رسول الله “أمض لما أراك الله فنحن معك والله لن نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ثم قام سعد بن معاذ رضى الله عنه قائد الأنصار وحامل لوائهم فقال يا رسول الله قد أمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا فامض بنا لما أردت وأظعن بنا حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا أحب إلينا مما تركت فوالذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغمام لسرنا معك ولو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك وما أمرت فيه من أمر فنحن تبع لأمرك ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله فسر صلى الله عليه وسلم من هذه المواقف البطولية الرائعة

وأعجب بهذه الكلمات القوية التي تفل الحديد وتقصم ظهور أهل الشرك والكفر والتنديد، إنهم أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لا يقولون لرسولهم إلا سمعنا وأطعنا فالأمر أمرك والقول قولك ونحن تبع لأمرك، ويقول الله عز وجل كما جاء فى سورة آل عمران ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين” فقام الرسول صلى الله عليه وسلم يستجلب نصر الله ويدعوا الله وينكسر بين يدي الله رفع يديه إلى السماء يقول اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم انجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً وأخذ صلى الله عليه وسلم يدعوا ربه حتى سقط ردائه فقال له أبوبكر حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك فجاءه نصر الله وحدثت له المعجزات العظيمة والنصر المبين حيث ألقى الله على عدوهم النعاس والنوم والخذلان.

وقذف في قلوبهم الرعب وأخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا فرماهم بها في وجوههم وقال شاهت الوجوه فما من أحد من المشركين إلا أصابته تلك الحصباء فقال تعالى كما جاء فى سورة الأنفال ” وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ” وأنزل الله مع المسلمين ملائكته يقاتلون معهم ويربطون على قلوبهم ويثبتون أقدامهم حتى نصرهم الله على عدوهم وقتل في هذه الغزوة معظم رؤوس الشرك وأغلب قادة الكفر، فيقول تعالى كما جاء فى سورة الأنفال ” إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان” وولى شياطين والجن فى ذلك اليوم هاربين مذعورين خائفين لا يألون على شيء وانسحبوا مذعورين مهزومين صاغرين فركب المسلمون ظهورهم يقتلون فيهم ويأسرون منهم وانتهت المعركة بنصر عظيم مبين للمسلمين وهزيمة ساحقة للمشركين والكافرين، فيقول تعالى كما جاء فى سورة الأنفال.

” وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إنى بريء منكم إنى أرى ما لا ترون إنى أخاف الله والله شديد العقاب” وهكذا فإن التفسير الإسلامى للتاريخ منبثق من تصور الإسلام للكون، والحياة، والإنسان، فهو يقوم على الإيمان بالله تعالى وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، من الله تعالى فهو لا يخرج عن دائرة المعتقدات الإسلامية، كما أنه مبنى على دوافع السلوك في المجتمع الإسلامي الأول، مما يجعل حركةَ التاريخ الإسلامي ذات طابع متميز عن حركة التاريخ الإسلامي العالمى لأثر الوحى الإلهى فيه، وتمر الأيام ويأتى رمضان جديد على المسلمين سنة ثلاثة وخمسين من الهجرة، وتفتح فيه جزيرة رودس فى البحر الأبيض المتوسط، فقد أرسل إليها أمير المؤمنين الصحابى الجليل معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه أحد التابعين الأبرار لفتحها، وهو جنادة بن أبى أمية الأزدى من قبيلة الأزد اليمنية، ولم يؤخر المسلمون القتال إلى ما بعد رمضان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock