الدكروري يكتب عن المسجد في العصر النبوي
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من زهد النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم، هو تقلله من الدنيا وإعراضه عن زهرتها، وقد سيقت إليه الدنيا بحذافيرها وترادفت عليه صلي الله عليه وسلم فتوحها، ولكنه توفى صلي الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله، وهو يدعو صلي الله عليه وسلم ويقول ” اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها ” ما شبع صلي الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله” وكما قالت رضي الله عنها ما ترك صلي الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا، ولقد مات صلي الله عليه وسلم وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، ولقد كان المسجد فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منتدى، وكان مجلس للشورى.
وكان محكمة قضائية، ولقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد ثكنة عسكرية، تنطلق منها الرايات، وتعقد منها الألوية، وتصنف منها الجيوش، وتخرج منها الكتائب، فإن المسجد روضة من رياض الجنة، وعبادة وفكر واتصال بالواحد الأحد، ولقد كان المسجد فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبال للوفود، وإرسال للاهتمامات في الأمة الإسلامية، وبناء للجيل، ولقد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة ولم يحمل معه المال، ولكن حمل عقيدة ومبدأ وأصالة، فكان أول ما بدأ به صلى الله عليه وسلم أن وضع حجر الأساس لبناء المسجد الإسلامي الكبير، لتنطلق منه الكتائب مكبرة في سبيل الله، فهو مسجد عقده ليكون ناديا أدبيا يعلن وتطرح فيه القصائد الرنانة في خدمة الإسلام.
يوم يأتي صلى الله عليه وسلم إلى حسان، شاعر الإسلام، وسيف الأدب الإسلامي، لخدمة مبادئ الإسلام، فيقدم له المنبر، ويقول له “اهجهم وروح القدس معك” ويستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفود العربية من بني تميم، والأزد، وغطفان، وأسد، وفَزارة، فيهنئهم ويهنئونه، ويعانقهم ويعانقونه في المسجد، فبدأ صلى الله عليه وسلم هناك، فأتى إلى المسجد فوضع حجر الأساس، ثم تلاه أستاذ الخلافة، ورجل الساعة، والصديق الأكبر أبو بكر الصديق، فنزع حجرا آخر ووضعه بجانب حجره، ثم قام عمر الفاروق، فأخذ حجرا ثالثا ووضعه بجانب حجر الصديق، وكأن الثلاثة يقولون للبشرية هذه نهاية الوثنية، وهذه بداية معالم الإنسانية، وهنا تخنق الوثنية، ويذبح الشرك بإذن الله.
وسقف المسجد لكنه ما كان راقيا في بنائه، بل كان راقيا في مضمونه وعظمته، وكان مشرقا في روحانيته، وكان هادى في مسيرته، فكان من طين وسعف نخل وشيء من خشب لكن كما قيل كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم، تبني الفضائل أبراجا مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم، ودخله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله أكبر، ومن يوم قال فيه الله أكبر، انتهت الوثنية، ودُمّر الإلحاد والزندقة، ودُمّر كل مبدأ ضال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ووقف صلى الله عليه وسلم خطيبا يوم الجمعة، يذرف بالكلمات الصادقة، من على المنبر ليقول للناس مسجدنا هنا.
زر الذهاب إلى الأعلى