دين ودنيا

فى طريق المعرفه ومع راعوث ” الجزء الثالث “

إعداد / محمــــد الدكـــــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع السيدة راعوث، وقد توقفنا عندما عادت راعوث وقصّت على حماتها فورا كل ما جرى بينها وبين بوعز وأعطتها ايضا كمية الشعير التي ارسلها اليها هدية، وعندئذ،‏ ارتأت نعمي ألا تتخذ راعوث خطوة اخرى ونصحتها ألا تخرج في ذلك اليوم لتلتقط في الحقول،
وأكدت لها قائلة أن الرجل لن يستريح حتى ينهي الامر اليوم، وقد اصابت نعمي في رأيها بشأن بوعز، فقد صعد الى باب المدينة حيث يجتمع شيوخها عادة،‏ وانتظر مرور الوليّ الاقرب، ثم عرض عليه امام شهود ان يقوم بدوره كوليّ ويتزوج راعوث،‏ الا ان الرجل رفض مدعيا ان ذلك يفسد ميراثه، عندئذ،‏ أعلن بوعز امام الشهود عند باب المدينة انه سيكون الوليّ،‏ فيشتري املاك زوج نعمي الميت،‏ أليمالك،‏ ويتزوج براعوث،‏ ارملة ابنه محلون،‏ آملا ان يقيم اسم الميت على ميراثه، فكان بوعز رجلا شهما وبعيدا كل البعد عن الانانية، وتزوج بوعز براعوث، فأعطاها يهوه حبلا وولدت ابنا، فباركت نساء بيت لحم نعمي ومدحن راعوث لأنها كانت لحماتها خيرا من سبعة ابناء،‏ وفي وقت لاحق،‏ اصبح ابن راعوث احد اسلاف الملك العظيم داود، وداود بدوره كان سلفا ليسوع المسيح، ولقد حظيت راعوث ببركة يهوه،‏ وكذلك نعمي التي لعبت دورا في تربية الولد كما لو انه ابنها، وحياة هاتين المرأتين تملأنا ثقة ان يهوه الله يرى كل الذين يكدحون في اعمال متواضعة من اجل اعالة خاصتهم ويسعون الى خدمته بولاء بين صفوف شعبه.

وهو يكافئ دون شك الامناء الذين يسعون الى بناء صيت حسن امامه كأشخاص فاضلين،‏ اسوة براعوث، وإذا توقفنا لحظه نتأمل قصة راعوث فنجد أنها امرأة تزوجت، وحدثت مجاعة ، فهاجر زوجها طلبا للرزق فى بلد غريبة، ومات زوجها فابتدأت هى أن تعمل وعندما سمعت حماتها أن حال بلدتها تحسن قالت لراعوث ولزوجة ابنها الآخر ويسمى عرفة أن يذهبوا ولكن رجعت راعوث مع حماتها بل وخدمتها برضاها، بالرغم من موت زوجها ويكمن سر الكفاح أنه فى وسط أناس لا تعرفهم حيث كانت تلتقط ما يتبقى فى الحقل، وحتى أن زواجها الثانى كان بكفاح حسب ما تقوله لها حماتها وخاصة فى زمن أيام سفر القضاة حيث كانت البنت مهملة القيمة ولكنها كانت كوردة بيضاء وسط حلة طينية سوداء، وقد ظلت راعوث فى كفاحها حتى نفسها الأخير فى حياتها، وأنجبت وفرحت بنسلها فعندما أنجبت عوبيد وهو أبو يسى والد النبى داود عليه السلام” فأخذت نعمى الولد ووضعته فى حضنها وصارت له مربية ، وعندما نتكلم عن راعوث المخلصة يجب أن نتكلم أيضا عن نعمى المخلصة حتى قالت راعـوث لحماتها ” فقالت راعوث لا تلحي علي أن أتركك وأرجع عنك لأنه حيثما ذهبت أذهب وحيثما بت أبيت شعبك شعبي وإلهك إلهي ” وهذا الكلام كان نتيجة إخلاص نعمى أيضا لها فالإخلاص يجب أن يقابله إخلاص وهنا يكمن السر فى مدى تأثيرنا على الآخرين.

فكيف أثرت فيها نعمى بالرغم من أن راعوث كانت موآبية، ونرى نعمى تقول لهما ارجعا يا بنتي واذهبا لأني قد شخت عن أن أكون لرجل وإن قلت لي رجاء أيضا بأني أصير هذه الليلة لرجل وألد بنين أيضا، فقد رأت إصرار راعوث لكى تبقى نعمى حماتها فلو تزوجت نعمى وأنجبت حتى تتزوج راعوث بابنها لتكون نعمى حماتها طول حياتها ولا تنفصل عنها، وكان هذا الإخلاص أيضا بعد العودة، فكانت تسمع كلام حماتها وتطيعها فكانت تقول لها إذهبى وارجعى، فكانت راعوث عندما ترجع تسألها حماتها عما كانت فيه، فتحكى لها بالضبط وبأمانة أنها كانت عند رجل اسمه بوعز وكان يشهد لها كل المدينة، حتى قال لها بوعز” والآن يا بنتي لا تخافي كل ما تقولين أفعل لك لأن جميع أبواب شعبي تعلم أنك امرأة فاضلة ” ليكافئ الرب عملك وليكن أجرك كاملا من عند الرب إله إسرائيل الذى جئت لكي تحتمي تحت جناحيه ” وكانت راعوث مخلصة لحماتها، ولزوجها المتوفى، وأيضا لإله إسرائيل باستقامة سريرتها وطهارتها، وقد أخذت راعوث المكافأة على الأرض من البشر، وأخذت مكافأة أيضا من السماء من الله عز وجل وأخذت المكافأة من الناس وقالت لها نعمي حماتها يا بنتي ألا ألتمس لك راحة ليكون لك خير، وكذلك بوعز كافأها بأن تزوجها، وكان بوعز هو أبو العز، فقد كان رجلا غنيا ومعروفا، وأخذت المكافأة من الله إله إسرائيل التى أتت لتحتمى تحت جناحيه فصارت جدة لداود النبى عليه السلام ويكفى أن اسمها مكتوب فى العهد الجديد فى سلسلة انساب السيد المسيح عليه السلام.

وإن قصة راعوث هي عبارة عن سلسلة من الانتكاسات، فقد أجبرت نعمي وزوجها وابنيها على مغادرة وطنهم في يهوذا بسبب المجاعة، ثم مات زوج نعمي، وتزوج ابناها من امرأتين موآبيتين ولمدة عشر سنوات تبيّن أنهن عاقرتين، ثم مات أولادها تاركين أرملتين في بيت نعمي، وعلى الرغم من التصاق راعوث بنعمي، ولكن قد امتلأت نعمي برجاء جديد لأن بوعز ظهر على الساحة كزوج محتمل لراعوث، لكنه لا يتقدم للزواج من راعوث ولا يأخذ أية خطوات تجاه الأمر على الأقل هذا ما يبدو للوهلة الأولى، وقد أتخذت نعمي وراعوث خطوة محفوفة بالمخاطر في منتصف الليل، وقد ذهبت راعوث إلى بوعز في البيدر وقالت “أنا أريد منك أن تبسط جناحيك عليّ كزوج لي” ولكن بمجرد ما يبدو أنه تم حل مأساة ترمّل راعوث بقصة حب جميلة، تساقطت صخرة كبيرة وعقبة أخرى على طريق حياة راعوث، فهناك رجل آخر، وفقا للعادات العبرية له الحق الأول في المطالبة بالزواج من راعوث فلن يمضي بوعز الأمين في الأمر دون أن يعطي هذا الرجل فرصته المشروعة، وبعد موعد منتصف الليل، ذهب بوعز إلى باب المدينة حيث تم الانتهاء من العمل الرسمي، ومر الولي الأقرب، ووضع بوعز الأمر أمامه، وقررت نعمي أن تتخلى عن ملكيتها الصغيرة، وواجب الولي الأقرب هو شراءه بحيث يبقى الإرث في الأسرة، وتقول لا تدع هذا الشخص يأخذ راعوث.فى طريق المعرفه ومع راعوث ” الجزء الثالث “

وهنا قال بوعز للولي الأقرب عليك أن تعلم أن نعمي لديها كنة، لذلك فعندما تقوم بواجب فكاك الولي، يجب أن تأخذها أيضا كزوجة لك لتقيم نسلا لاسم محلون زوجها؟” ثم، ولتخفيف عبء كبير علينا، قال الولي لا يستطيع أن يفعل ذلك، ربما كان متزوجا بالفعل، وفى النهاية بوعز خرج وانطلق إلى وليمة العرس مع راعوث الشابة الجميلة بين ذراعه، ولكن هناك سحابة فوقهما فراعوث عقيمة أو على الأقل تبدو كذلك، وقد قيل لنا إنها كانت متزوجة منذ عشر سنوات إلى محلون ولا يوجد أطفال، وكان عندما بدت حياة نعمي كأنها تدمرت بالكامل أثناء وجودها في موآب، قدّم الله راعوث لنعمي، وربح الله ولاء راعوث في موآب، ولذا فكان الفضل يرجع لله على المحبة المدهشة التي وجدتها نعمي في كنتها، وقيل أنه عندما جاءت راعوث إلى يهوذا مع نعمي، كانت قادمة للاحتماء تحت جناحي الله، ولذلك يرجع الفضل لله في أن راعوث غادرت منزلها وأسرتها لمتابعة وخدمة نعمي، فإن الله كان يحوّل انتكاسة نعمي إلى فرح حتى عندما كانت هي غافلة عن نعمته، وقد أعطت نعمي انطباعا أنه لا يوجد أمل أن تتزوج راعوث وتنجب أولادا لاستمرار نسل الأسرة في حين أن الله كان يُبقي على رجل ثري وتقي يدعى بوعز لكي يفعل ذلك، والسبب أنه كان عمل الله هو اعتراف نعمي نفسها فهي تدرك أن وراء اجتماع راعوث وبوعز بالصدفة كان صلاح الله.

ومَن الذي أعطى لرحم راعوث العقيم طفلا بحيث تمكنت الجارات من القول قد ولد ابن لنعمى؟ لقد أعطى الله الطفل، وقد صلى شعب المدينة لأجل بوعز وراعوث، وكانوا يعرفون أن راعوث كانت متزوجة لمدة عشر سنوات دون طفل، لذلك تذكروا راحيل التي فتح الرب رحمها قبل فترة طويلة، وصلوا أن يجعل الله راعوث مثل ليا وراحيل، زوجتى نبى الله يعقوب عليه السلام، وهكذا مرة تلو الأخرى كان الله يعمل في الانتكاسات المرّة لنعمي فعندما فقدت زوجها وأبنائها أعطاها الله راعوث وعندما لم تستطع أن تفكر في أي قريب ليقيم نسلا لاسم الأسرة أعطاها الله بوعز، وعندما تزوجت راعوث العاقر ببوعز أعطى الله الطفل، ولو كانت قصة سفر راعوث انتهت فقط في قرية صغيرة يهودية مع الجدة المسنة وهي تعانق حفيدها الجديد، سوف تكون كلمة مجد كبيرة جدا، لكن الكاتب لا يختم القصة بهذا الشكل، بل رفع عينيه إلى غابات وجبال الثلوج لتاريخ الفداء فيقول ببساطة شديدة أن هذا الطفل كان عوبيد والد يسى ويسى والد داود عليه السلام، فبشكل مفاجئ ندرك أنه طوال القصة كان هناك أمر سيحث قريبا أعظم جدا مما نستطيع تخيله، فالله لم يكن يعمل فقط لأجل بركة وقتيّة لعدد قليل من اليهود في بيت لحم، بل كان يُعد لمجيء أعظم ملك لإسرائيل، أي داود عليه السلام، واسم داود يحمل معه الرجاء في المسيا، والعصر الجديد، والسلام، والبر، والحرية من الألم والبكاء والحزن والشعور بالذنب.

ويريد سفر راعوث أن يعلمنا أن قصد الله لحياة شعبه هو أن يربطنا بشيء أكبر بكثير من أنفسنا الله يريدنا أن نعرف أننا عندما نتبعه، فحياتنا دائما تعني أكثر مما نظن فإن للإنسان هناك دائما علاقة بين أحداث الحياة العادية وعمل الله الهائل في التاريخ، وكل ما نقوم به في طاعة الله، مهما كان صغيرا، فهو مهم، إنه جزء من الفسيفساء الكونية التي يرسمها الله ليعرض عظمة قوته وحكمته للعالم وللرؤساء والسلاطين في السماويات فالشبع العميق للحياة هو أنه ألا تستسلم للتفاهات، فكانت خدمة حماة أرملة، والالتقاط في الحقل، والوقوع في الحب، وإنجاب طفل، بالنسبة للشخص كل هذه الأشياء ترتبط بالأبدية إنها جزء من شيء أكبر بكثير مما يبدو، وهكذا كانت قصة راعوث، وهي قصه كتابيه تظهر جانبا اخر من جوانب الفداء وتوضح لنا دور القريب الاقرب الذي هو الولي والفادي، ويروي لنا سفر راعوث أن سيدة اسمها نعمي مع زوجها وولديهما أجبروا بسبب المجاعة في فلسطين أن يسافروا ليعيشوا في بلاد مواَب جيث تزوج الابنان وبعد سنوات قليلة مات الزوج والولدان، تاركين ثلاث ارامل، وعندما عرفت نعمي ان المجاعة انتهت في بلادها قررت ان تعود إليها, وبقيت ارملة احد الابنين في مواَب اما الثانيه واسمها راعوث فقد تعلقت بحماتها ورفضت ان تتركها واصرت ان ترافقها الى وطنها فعادت الارملتان معا الى بيت لحم، وكانت شريعة نبى الله موسى عليه السلام تعطي نعمي الحق في استعادة ارضها التي تركتها قبل ان تهاجر الى مواَب كما كان من حق راعوث ان ترث ارض زوجها المتوفي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock