مقالات

أين منظمات حقوق الإنسان الآن من آخر كلمات ” فلويد ” : لا أستطيع أن أتنفس …


مقال رأي بقلم د.محمد عبد العزيز

يستحق أي إنسان مذنب العقاب المناسب في ضؤ حجم ذنبه لكن كيف يكون العقاب مُهددا لأبسط حقوق الإنسان وهو تنفس الهواء ، الهواء الذي جعله الله مشاعا دون أن يسيطر عليه بعض البشر ليمنعوه عن بعض البشر الآخرين .
أين قنوات الأخبار الأمريكية وأين قنوات الأخبار التركية والقطرية وأين البث المباشر لما يحدث في أمريكا على غرار ‘مباشر مصر’ التي كانت تؤجج بها قناة الجزيرة مشاعر المصريين ليظلوا في حالة استنفار دائم ولتظل مصر قابلة للتدخلات الخارجية ، أين تقارير منظمات المجتمع المدني المعنية بقضايا حقوق الإنسان والتي يتم إستخدامها ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للدول العربية ، لماذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية اعتبار تغريدات الشباب على موقع التغريدات الأمريكي الشهير غير دقيقة ولا يعتد بها لتوثيق ما يحدث الآن في الداخل الأمريكي ، بالرغم من أن تلك التغريدات كانت تعتبر توثيقا للتجاوزات في حق الثوار في ما يعرف زورا بالربيع العربي .
اندلعت الاحتجاجات من قبل الأمريكيين من أصول أفريقية أصحاب البشرة السمراء لتنتقل من ولاية لأخرى سريعا داخل الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة مقتل أحدهم على أيدي الشرطة الأمريكية وهو الأمر الذي يفتح جراح العنصرية في الداخل الأمريكي واستغل البعض مطالبات الأمريكان من أصول أفريقية بحسن معاملة الشرطة لهم لتتحول إلى أعمال شغب وعنف وإحراق لمراكز الشرطة مما أدى لإعلان حظر التجول والاستعانة بقوات الحرس الوطني في بعض المدن الأمريكية .
ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باللوم على اليسار المتطرف في ما يحدث من حركة احتجاجية قائلا “لا يمكننا ويجب ألا نسمح لمجموعة صغيرة من المجرمين والمخربين بتدمير مدننا”.
وكان قد صرح ” خواكين كاسترو ” عضو الكونجرس الأمريكي من أصل إسباني قائلا ” إن مقتل جورج فلويد يرجع إلى التفاوت العنصري الموجود في كل جانب من جوانب المجتمع الأمريكي من توزيع الثروة وخدمات الصحة إلى العمل والسكن إلى القدرة على زيارة الحدائق أو الذهاب للركض في الخارج ” .
وتعاني الطبقة الدنيا من الأمريكان من أصول أفريقية من تهميش وسوء معاملة واضحة والحياة تحت ظروف قاسية في مناطق غير آمنة تتعرض لانتهاكات العصابات ورجال الشرطة بشكل دائم والصورة المُثلى لنجاح الأمريكان من أصول أفريقية في المجتمع الأمريكي مثل الرئيس السابق أوباما أو وزير الخارجية الأسبق كونداليزا رايس ليست صورة ينعم بها كافة الأمريكان من أصول أفريقية ولا تعبر عن الواقع الأمريكي الذي لا زال زاخرا بالتمييز العنصري ليس فقط ضد الأمريكان من أصول أفريقية ولكن أيضا ضد المهاجرين من أصول عربية ولاتينية .
ومن الجدير بالذكر أنه يمكن إشراك قوات الحرس الوطني على المستوى الفيدرالي للتصدي لأي أعمال شغب وعنف تتجاوز قدرات الشرطة المحلية والحرس الوطني المحلي لكل ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية .
ومن الجدير بالذكر أنه تم عمل استطلاع للرأي أجرته رويترز ومؤسسة إبسوس خلال فترة حكم الرئيس السابق أوباما ، وأشار استطلاع الرأي إلى أن ما يقرب من ربع سكان الولايات المتحدة الأمريكية لديهم استعداد للانسحاب من “الاتحاد الفيدرالي الأمريكي”.
وأكدت نتائج استطلاع الرأي استعداد بل ومناداة ما لايقل عن ربع سكان الولايات المتحدة الأمريكية لقطع العلاقات مع واشنطن العاصمة ، وأشارت النتائج إلى أن الجمهوريين وسكان الولايات الزراعية في الغرب الأمريكي أكثر تقبلا لفكرة الانفصال .
مما تقدم ذكره يتضح أن المجتمع الأمريكي ليس مجتمعا مثاليا متوافقا ومنسجما وإنما متعدد الميول والاتجاهات والرؤى بشكل يهدد استمرارية الوحدة الفيدرالية التي تضم الخمسون ولاية معا وهناك ولايات لديها قدرات اقتصادية كبيرة تحمل على عاتقها قوة النظام الفيدرالي أكثر من غيرها وهناك ولايات فقيرة تظن أن الولايات الغنية تحتكر الثروة والقوة والأسرار العسكرية والعلمية مثل الحديث الدائم لعامة المجتمع الأمريكي عن حقيقة المنطقة ٥١ في صحراء نيفادا الأمريكية وحقيقة تمويل الضرائب التي يدفعها المواطن الأمريكي لبرامج سرية لا يتم الإفصاح عنها .
ويُعتبر التاريخ الأمريكي تاريخ قصير مقارنة بتواريخ الشعوب الأخرى إلا أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية تعدد في التجارب السابقة على الوحدة السياسية سواء من خلال إبادة السكان الأصليين من الهنود الحمر أو من خلال الحرب الأهلية أو من خلال نشأة الوحدة الفيدرالية إلى جانب تاريخ التمييز العنصري ضد الأمريكيين من أصول أفريقية وكان يتم ترويج التجربة الأمريكية على أساس كونها التجربة المُثلى لبعض الشعوب لكي تستطيع أن تتغلب على مشاكلها وتتجه نحو الوحدة لكن المدقق والمحقق في الواقع الأمريكي يعي جيدا الخدعة في تلك الادعاءات الكاذبة لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وعدم التوزيع العادل للسلطة والثروة بما يهدد بقاء تلك الوحدة الفيدرالية وهو ما يعني أن التجربة الأمريكية والتاريخ الأمريكي أقل من أن يكون نموذجا لدول ضاربة بجذورها في عمق التاريخ منذ آلاف السنوات ولها مشكلات وخصوصية تختلف عن الولايات المتحدة الأمريكية ، ويبقى السؤال الحقيقي ليس حول بقاء الدول ذات التاريخ الممتد لآلاف السنين والتي استطاعت البقاء لآلاف السنين رغم كل ما مرت به من أزمات ، السؤال الحقيقي هو هل تستطيع دولة حديثة بتاريخ وتنوع وتجارب مثل تاريخ وتنوع وتجارب الولايات المتحدة الأمريكية هل تستطيع البقاء موحدة في المستقبل ؟ ، هذا هو ما ستجيب عليه الأيام والسنوات المقبلة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock