دين ودنيا

وقفه مع الرأفة والرحمة وجبر الخواطر “الجزء التاسع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع الرأفة والرحمة وجبر الخواطر، ففي مجتمعاتنا ترى أن هذه معلقة لا هي زوجة، ولا هي مطلقة، وهذه أرملة، وذاك مسكين، وهذا يتيم، والآخر عليه ديون وفي حالة غم وهم، وهذا لا يجد جامعة، وذاك لا يجد وظيفة، وهذا لا يجد زوجة، أو لا يجد زواجا، وذاك مريض، والآخر مُبتلى، والهموم كثيرة، وتطييب الخاطر لا يحتاج إلى كثير جهد، ولا كبير طاقة، فربما يكفي البعض كلمة من ذكر، أو دعاء، أو موعظة، وربما يحتاج الآخر إلى مساعدة، وينقص ذاك جاه، وينتظر البعض قضاء حاجة، ويكتفي البعض الآخر بابتسامة، فعلينا أن نجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا، ولا نبخل على أنفسنا، فالصدقة والخير نفعه يعود إليك.

فهذه هي الخواطر، ما سُميت بذلك إلا لأنها تخطر على القلب من غير قصد، وقد يغذيها العبد بالتفكر في نوعها، فمن أكثَر من التفكير في شيء كانت خواطره غالبا من جنس هذا الشيء، فيدخلها القصد من هذا الوجه، وإن الخواطر نوع مِن الإلهام، والإلهام إنما ينفع ذوي الأفهام، وأما الجامدون فهم محصورون تحت أسنة الأقلام، وإن أحكام الشريعة جاءت بمراعاة الخواطر وجبرها، وتطييب النفوس عند كسرها، فمراعاة المشاعر وجبر الخواطر جزء من شريعة الإسلام، وعبادة نتقرب بها إلى الرحمن، فصاحب النفس العظيمة، والقلب الرحيم، رؤوف بإخوانه، رفيق بهم، يجتهد لهم في النصح، ويحب لهم الخير كما يحبه لنفسه، ولا يحمل في صدره غِلا لهم.

ويتجاوز عن هفواتهم، ويلتمس الأعذار لأخطائهم، ويجبر خواطرهم، ويطيب نفوسهم، وأما صاحب اللفظ الجافي، والقلب القاسي فقد مضت سنة الله تعالى أن ينفر الناس منه، فلا يُقبل منه توجيه ولا دعوة، ولا تسمع منه نصيحة، ولا يرتاح له جليس، ولا يأنس به ونيس، فقال الله تعالى فى سورة آل عمران ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” كما أن اسم الجبار فيه صفة علو وقوة، فهو كذلك فيه صفة رأفة ورحمة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين “اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني” فالله عز وجل يجبر الفقير بالغنى، والضعيف بالقوة، والمنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها.

وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، ومن لطف الجبار وكرمه ينزل تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول “مَن يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟” فيجبر كسيرا، ويعافي مبتلى، ويشفي مريضا، ويغيث ملهوفا، ويجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويفرج كربا، ويزيل حزنا، ويكشف هما وغما، وفي القرآن العظيم يخبرنا الجبار سبحانه بجبر قلوب أنبيائه ورسله، فهذا نبي الله موسى عليه السلام لما رغبت نفسه إلى رؤية الله تعالى وطلب ذلك منه، أخبره سبحانه أن ذلك غير حاصل له في الدنيا، ثم سلاه، وجبر خاطره بما آتاه، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين”

ولما كان جبر الخواطر من اعظم صفات رسول الله صلي الله عليه وسلم فالله يجبر خاطره في الدنيا والاخرة فقد ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم “رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فنت تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم” وقال عيسى عليه السلام “إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم” فرفع يديه، وقال “اللهم أمتي أمتي” وبكى، فقال الله عز وجل “يا جبريل، اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يُبكيك؟” فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله “يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock