دين ودنيا

فى طريق المعرفه ومع نبى الله يوسف ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع نبى الله الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم وهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعا وعلى نبينا محمد الصلاة والسلام، وقد توقفنا معه عندما طلب من فتيانه أن يعيدوا لهم البضاعة بالخفية خوفا من أن لا يكون لديهم ما يعودون به في العام المقبل ليقايضوا به، وعندما عادوا اخبروا أباهم يعقوب عليه السلام أنه إن لم يبعث معهم أخيهم في العام المقبل فإنه سيمنع الكيل منهم، وعندها وافق يعقوب عليه السلام على خيفة من نفسه أن يبعث أخيهم معهم إذ إنه كان يرى فيه ريح يوسف عليه السلام ويعوضه عنه، وقد بعثه أيضا لحاجة أهله إلى الطعام وأن لا قدرة لهم على من الطعام في سنين الجدب والقحط هذه، فأخذ منهم المواثيق والعهود مع علمه أنه لا تنفع المواثيق إن حصل القدر، وقد طلب منهم عليه السلام ان يدخلوا من ابواب متفرقة وكان السبب في هذا أن لا يصابوا بالعين فقد كانوا حسان الشكل، وعندما دخلوا إلى الملك ومعهم أخوهم أخبره أنه أخوه وطلب منه أن يكتم ذلك، وأراد أن يحتال عليهم كي يأخذه منهم، فوضع صواع الملك أي سقايته في رحل أخيه بنيامين واتهمهم بالسرقة وأنه لمن يعيد الصواع حمل بعير آخر، ولكنهم نفوا ذلك، فطلب يوسف منهم ان يخبروه ما جزاءهم إن كانوا كاذبين.

فأخبروه أن من يسرق عندهم يدفع منه، وقد طلب منهم ذلك لأنه لم يكن باستطاعته أن يأخذ أخيهم منهم بحسب سياسة مصر، فلما استخرجوا الصواع من حمل بنيامين اتهموه أنه يسرق كأخيه من قبل ويعنون يوسف عليه السلام، إلا أنه أسرّها في نفسه، وطلبوا منه أن يأخذ أحدهم بدلا منه لأنهم أعطوا المواثيق لأبيهم، ولكنه أبى أن يأخذ أحدا غير الذي سرق وأن ياخذ البريء عوضا عنه، وعندما يئسوا من إرجاع أخيهم قال كبيرهم أنه لم يعد قادرا على مواجهة أبيه بعد المواثيق وبعد ما فعلوه بيوسف عليه السلام، وأنه لن يعود حتى يأذن له أبوه بالعودة أو أن يستيطع إرجاع أخوه بنيامين من الملك، وعندما عادوا إلى أبيهم وأخبروه بما حصل كذبهم وخاصة بعدما فعلوه بيوسف، فالسرقة ليست من صفات بنيامين، وتذكر حزنه القديم على يوسف عليه السلام ودعا الله تعالى أن يعيد له يوسف وبنيامين، وعندها ومن كثرة حزنه وبكائه أصابه العمى، فلما رأى أبناؤه ما به من الوحدة طلبوا منه أن يتوقف عن ذكرهما رحمة به وخوفا عليه من الضعف بسبب ذلك، ولكنه نبى كريم من أنبياء الله تعالى فأخبرهم أنه لا يشكوا إليهم بل إلى الله تعالى وأنه يعلم أن الله سيخرجه مما هو فيه من الضيق، وطلب منهم أن لا ييأسوا من طلب يوسف وبنيامين.

وأن ييقنوا بأن الله قادر على تفريج كل كرب وهم، فرجع إخوة يوسف عليه السلام إليه مرة أخرى وطلبوا منه أن يتصدق ويمن عليهم ويعطيهم أخيهم بنيامين، وأخبروا العزيز أنهم أصابهم وأهلهم الضعف والقحط وأنهم لم ياتوا إلا بدراهم معدودة لما بهم من القحط، فعندها حزن يوسف عليه السلام وعطف على ما بهم من الجدب وأخبرهم أنه هو يوسف وأن هذا هو أخيه وأن الله أكرمهما لما هما فيه من بر الوالدين وطاعته تعالى وصبرهمها على أذيتهم لهما، وعندها أخبروه ان الله تعالى فضله عليهم وأنهم كانوا مخطئين وأحسوا بذنبهم وبسوء صنيعهم، وهنا تظهر قمة العظمة في نبى الله يوسف عليه السلام وهو العفو عند المغفرة، فقال لهم كما أخبر الله في كتابه العزيز ” قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ” وأخبرهم أن يذهبوا بقميصه فيضعوه على عيني أبيهم حتى يعود إليه بصره، وهي من معجزاته عليه السلام، وأخبرهم أن يرجعوا بأهلهم جميعا كي يلتم شملهم مرة اخرى، فلما عادوا إلى أبيهم أحس عليه السلام بريح يوسف قبل أن يقدموا إليه بمسافة كبيرة، وعندما أخبر قومه قال لهم أنه يخاف أن يظنوا ان هذا من الخرف وكبر السن، وهو ما ظنوه بالفعل، ولكن وعندما أتى البشير وألقى القميص على وجهه عليه السلام.

عاد بصيرا على الفور، وأتى نبى الله يعقوب إلى يوسف عليهم السلام، وقيل أنه عندما أتى خرج معه الملك والحرس في موكب إعظاما ليوسف عليه السلام لاستقبال نبى الله يعقوب عليه السلام وقيل أن الله تعالى رفع سنين القحط ببركة قدومهم، فعندما وصلوا أخذ أبيه وأمه وأجلسهما معه على سريره وخرّوا له ساجدين إعظاما له، وقد كان هذا الأمر مشروعا عندهم وفي باقي الشرائع حتى حرمه الله تعالى في الإسلام، وقد كان هذا تأويل الرؤيا في بداية قصته عليه السلام حين رأى الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له، وبذلك رأى نبى الله يوسف عليه السلام أن الله تعالى أتم فضله ونعمه عليه بعد الضيق والهم، ودعا الله تعالى أن يتم فضله بأن يتوفاه مسلما ويرزقه الجنة فهذه هي الغاية الكبرى التي قد يسعى لها أي إنسان مهما كان به من النعيم أو الضيق، ولقد خص الله تعالى قصة يوسف عليه السلام بقوله تعالى فى سورة يوسف ” لقد كان فى يوسف وإخوته آيات للسائلين ” فهى فيها آيات وعِبر منوعة لكل مَن يسأل، ويريد الهدى والرشاد، لما فيها من التنقلات من حال إلى حال، ومن محنة إلى منحة ومنة، ومن ذلة ورق إلى عز ومُلك، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وإدراك غايات، ومن حزن وترح إلى سرور وفرح، ومن رخاء إلى جدب.

ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه هذه القصة العظيمة، فتبارك من قصها، ووضحها وبينها، فمن فوائد هذه السورة أن فيها أصولا لعلم تعبير الرؤيا، فإن علم تعبير الرؤيا علم عظيم، والرؤيا الصحيحة هي إلهامات يُلهمها الله للروح عند تجردها عن البدن وقت النوم، أو أمثال مضروبة يضربها الملك للإنسان ليفهم بها ما يُناسبها، وقد يرى الشيء على حقيقته، ويكون تعبيره هو ما رآه في منامه، ولهذا لما حصل الاجتماع، ودخل أبوه وأمه وإخوته مصر، ورفع أبويه على العرش خر الجميع له سُجدا، فقال يوسف متذكرا ذلك تعبير رؤياه السابقة كما قال الله تعالى فى سورة يوسف ” يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد حعلها ربى حقا ” وهذه الغاية تستدعي وسائل ومقدمات لا تحصل إلا بها، وهو العلم الكثير العظيم والعمل الصالح والإخلاص والاجتباء من الله، والقيام بحق الله وحقوق الخلق، فلهذا قال سبحانه وتعالى فى في ذكر السبب الموصل لهذه الغاية الجليلة فى سورة يوسف” وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ” وأما رؤيا الفتيين.

حيث ” قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله ” فتلطفوا ليوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما، وذلك لما شاهدوا من إحسانه للأشياء، وإحسانه إلى الخلق، ففسّر رؤيا مَن رأى أنه يعصر خمرا بأنه ينجو من سجنه، ويعود إلى مرتبته وخدمته لسيده، فيعصر له العنب الذي يؤول إلى الخمر، وأيضا فسّر رؤيا الآخر بأنه يُقتل، ثم يُصلب فتأكل الطير من رأسه، فإن الأول رؤياه جاءت على وجه الحقيقة، والآخر رؤياه جاءت على وجه المثال، وأنه يقتل ومع قتله يصلب، ولا يدفن حتى تأكل الطيور من رأسه، وهذا من الفهم العجيب والغوص إلى المعاني الدقيقة، وإن من كمال يوسف عليه السلام ونصحه وفطنته العجيبة أنهما لما قصّا عليه رؤياهما، تأنى في تعبيرها، ووعدهما بتعبيرها بأسرع وقت، فقال الله تعالى فى سورة يوسف ” لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ” فوعدهما بتعبيرها قبل أول طعام يأتيهما من خارج السجن، ليطمئنا ويشتاقا إلى تعبيرها، وليتمكن من دعوتهما، وذلك ليكون أدعى لقبول الدعوة إلى الله، وأما رؤيا الملك، فإنه رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات عجاف، وسبع سنبلات خضر يأكلهن ويستولي عليهن سبع سنبلات يابسات ضعيفات.

فهالته وجمع لها كل من يظن فيه المعرفة، فلم يكن عند أحد منهم علم بتعبيرها، وقالوا ” أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ” وبعد هذا تفطن الذي خرج من السجن لحالة يوسف، فلما جاء يوسف قال له يا ” يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ” ففي الحال فسّرها لهم نبى الله يوسف عليه السلام، وزادهم مع التفسير حسن العمل بها وحسن التدبير، فأخبرهم أن البقر السمان والسنابل السبع الخُضر هي سنون رخاء وخصب متواليات، وهى تتقدم على السنين المجدبات، وأن البقر العجاف والسنابل اليابسات سنون جدب تليها، وإن بعد هذه السنين المجدبات عاما فيه يُغاث الناس، وفيه يعصرون، وإنه ينبغي لهم في السنين المخصبات أن ينتهزوا الفرصة، ويعدوا العدة للسنين الشديدات، فيزرعون زروعا هائلة أزيد بكثير من المعتاد، ثم اعلم أن رؤيا الملك وتعبير يوسف عليه السلام لها، وتدبيره ذلك التدبير العجيب من رحمة الله العظيمة على يوسف عليه السلام، وعلى الملك وعلى الناس، فلولا هذه الرؤيا وهذا التعبير والتدبير، لهجمت على الناس السنون المجدبات قبل أن يعدّوا لها عدتها، فيقع الضرر الكبير على الأقطار المصرية وعلى ما جاورها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock