دين ودنيا

الدكروري يكتب عن القيم وإبراز القدوات الصالحة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إننا بعد آلاف السنين من حادثة غرق قوم نبي الله نوح، لنحبس أنفاسنا ونحن نقرأها في القرآن ونتابع السياق والهول يأخذنا كأننا نشهد المشهد، حيث يقول تعالي ” وهي تجري بهم في موج كالجبال ” ونوح الوالد الملهوف يبعث بالنداء تلو النداء، وابنه الفتى المغرور يأبى إجابة الدعاء، والموجة الغامرة تحسم الموقف في سرعة خاطفة راجفة، وينتهي كل شيء، وكأن لم يكن دعاء ولا جواب، وإن الهول هنا ليقاس بمداه في النفس الحية بين الوالد والمولود، كما يقاس بمداه في الطبيعة، والموج يطغى على الذرى بعد الوديان، وإنهما لمتكافئان، فإننا رأينا سيولا ما بلغت أمواجها أمثال الجبال ولا أمثال الهضاب ولا التلال، ولكنها ارتفعت عن الأرض قليلا، وتدفقت بسرعة تشق طريقها.

فهدمت الجدران، وقطعت السبل، وحملت السيارات، وأغرقت جمعا من البشر، وجرفت ما أمامها فلم يقف في طريقها شيء، فكيف بمياه بلغت في كثافتها بحيث تحاذي أمواجها قمم الجبال؟ فإنه يتقوى المجتمع بتحصين القيم من ضرر يصيبها أو تيار جارف يهدمها، وذلك بتأسيس الجيل منذ نشأته على القيم وإبراز القدوات الصالحة للأجيال المؤمنة، والله تعالى يبين لنا نماذج من القدوة الصالحة التي يجب أن تقدم للأجيال حتى يتخلقوا بأخلاقها ويسيروا على نهجها وإن من أجل القدوات هو رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد حفظ الله سبحانه وتعالى في الإسلام للوالدين وهما الأم والأب، حقهما على أولادهما كل الحفظ، فألزم الابن والبنت باحترامهما والعناية بهما وقضاء حاجاتهما.

والإنفاق عليهما إن كانا فقيرين والتلطف معهما في الكلام والصبر على ما يحصل منهما من أذى أو تعب، ووعد الله تعالى في القرآن وأحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، البار بوالديه المحسن إليهما الذي يرضيهما بدخول الجنة بعد الموت وبصلاح أولاده في حياته فيبرونه ويحسنون إليه عند الكبر جزاء بره بوالديه، وتوعد الله المهمل لوالديه العاصي لهما بالعذاب في النار بعد الموت وبالشقاء وعصيان أولاده له في الدنيا، وأوجب الله على الإنسان أن يصل أقاربه ويحسن إليهم كالإخوان والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات تكريما لوالديه، وكذلك ألزمه بإكرام أصدقاء والديه، وإن للدين مهمتان رئيسيتان في حياة الانسان، فالاولى هو تنظيم علاقة الانسان مع ربه.

بأن يتعرف على خالقه، ويؤمن به وبوحدانيته، ويلتزم بعبادته والخضوع له، حيث يقول تعالى ” ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله” وأما الثانية فهى تنظيم علاقة الانسان مع أبناء جنسه، بحيث تكون قائمة على العدل، والاحترام المتبادل للحقوق، فقال تعالى ” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط” فعلاقة الانسان مع الناس قضية جوهرية من صميم الدين، وهي ليست متروكة لمزاج الانسان واهوائه، فلست حرا في ان تتعامل مع الآخرين كما تحب وتشاء، بل انت مقيد بضوابط شرعية تلزمك بمراعاة حقوق الآخرين، واحترام مصالحهم المادية والمعنوية، واذا آمن الانسان بربه والتزم بأداء الواجبات العبادية لله من صلاة وصوم وحج وما شابه.

فإن ذلك لا يحقق له حالة التدين، ولا يوفر فيه مصداقية العبودية لله تعالى، ما لم يقترن بحسن علاقته مع الناس، وادائه لحقوقهم، فكما امرك الله تعالى بالصلاة والصيام وسائر العبادات، امرك ايضا بالعدل والاحسان، والتعامل الصحيح مع المحيط الاجتماعي، ولا يصح لك ان تأخذ بجزء وتترك الجزء الآخر، فقال تعالى ” إن الله يامر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون” ثم ان الايمان بالله، واداء الشعائر والعبادات، ثمرتهما ونتيجتهما يجب ان تظهر وتنعكس على سلوك الانسان وتعامله مع الناس، والا فما جدوى ذلك الايمان الذي لا يردع عن الظلم؟ وما قيمة تلك العبادة التي لا تدفع الى الخير؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock