وقفه مع شهر رمضان ” الجزء الأول “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إننا نعيش فى هذا الوقت أياما كريمة فاضلة، وموسما عظيما شريفا مليئا بالخيرات، متعددة فيه العطايا والهبات، موسم ميّزه الله عز وجل على بقية الأيام والشهور، وفضّله بفضائل عديدة، وخصائص متنوعة، وإن من الواجب على من أكرمه الله عز وجل بإدراك هذا الشهر وبلوغه أن يغتنم خيراته، وأن يظفر ببركاته، وأن يجاهد نفسه مجاهدة تامة على أن ينال فيه الصفح والغفران والعتق من النيران، وأن يكون من عباد الله المتقين الذين تعتق رقابهم من النار في هذا الشهر الكريم المبارك، وينبغي على الصائم أن يتذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر” فعليه أن يتقي الله تعالى وأن يجانب الكبائر وعظائم الذنوب، وأن يتوب من الذنوب كلها، صغيرها وكبيرها، ولتعلم أن تكفير رمضان للذنوب، وهكذا الصلوات الخمس، والجمعة، ونحو ذلك مما ورد في الأحاديث، إنما هو خاص بالصغائر، أما الكبائر فإنه لابد فيها من توبة نصوح.
توبة صادقة، توبة نصوح من الذنب الذى اقترفته، والخطيئة التي اجترحتها، فعلينا أن نعيش هذا الشهر تائبين إلى الله، منيبين إليه سبحانه، مقبلين عليه عز وجل مستغفرين من الذنوب والخطايا، لعلنا نكون من عتقاء الله تبارك وتعالى من النار، علنا عباد الله نكون ممن حُطت عنهم الأوزار، ورُفعت لهم الدرجات، وغفرت لهم الذنوب، فلقد كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والصالحون من بعدهم يتنافسون في إغتنام الفرص، فتجدهم يلتمسون الأجور في صيام النوافل زيادة على الست من شوال، كصيام ثلاثة أيام من كل شهر وهى الأيام البيض وصيام الاثنين والخميس والإنفاق فى أبواب الخير وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وبلغ به الأمر أن يتسابقوا في ميادين الجهاد على نبل الشهادة لما علموا بما للشهيد عند الله من درجات، فإن الصيام رفعة فى الدرجات، والله يعطى على الصيام ما لا يعطى على غيره، فشهر رمضان، هو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان.
شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات فإننا الآن فى شهر عظيم مبارك، ألا وهو شهر رمضان، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من صامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، فأحيوا ليله وهلموا إليه بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات والتناصح والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والدعوة إلى كل خير لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم، فإن فى الصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة.
منها تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها للأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضى الله ويقرب لديه، فإن هذا الشهر شهر مغفرة الذنوب، فما أعظمها من مكرمة وما أجلها من عطية صيام رمضان يغفر به ما تقدم من الذنوب والخطايا، وتأمل فى هذه الفضيلة العظيمة، فهى لا تنال إلا بشرطين بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث العظيم، الشرط الأول أن يكون صيامك لرمضان إيمانا بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وتصديقا بفريضة الصيام وما أعده تبارك وتعالى لأهل الصيام من أجور عظيمة، وعطايا كريمة، وثواب جزيل في الدنيا والآخرة والشرط الثاني أن يكون صيامك لرمضان احتسابا لما عند الله تبارك وتعالى من الأجر والثواب، تصومه محتسبا به ثواب الله، تبتغي به وجه الله، وتطمع بأدائه في ثواب الله، وتريد بقيامك به تحصيل ثواب الله الذى أعده الله عز وجل للصائمين، والله تعالى قد أعد للصائمين من الأجور العظيمة والعطاء الجزيل.
ما لا يخطر ببال، وإلى هذا الإشارة في قول الرب عز وجل في الحديث القدسى “الصيام لي وأنا أجزي به” فقد ادخر تعالى للصائمين ثوابا جزيلا، وعطاء عظيما، بغير عد ولا حساب، يزين الله جنته ويقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ثم يصيروا إليك، شهر تصفد فيه الشياطين وتفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير كله ومن قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ولله فيه عتقاء من النار وذلك في كل ليلة من رمضان ويغفر للصائمين فى آخر ليلة منه، وتستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا، وللصائم دعوة لا ترد، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ومن صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن فوائد الصوم أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه، ويذكره بعظيم نعم الله عليه، ويذكره أيضا بحاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذكر شكر الله سبحانه.
والاستعانة بنعمه على طاعته، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفوائد فأوضح سبحانه وتعالى أنه كتب علينا الصيام لنتقيه سبحانه فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى، والتقوى هى طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه عن إخلاص لله عز وجل، ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقى العبد عذاب الله وغضبه، فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى، وقربى إلى المولى عز وجل، ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شؤون الدين والدنيا، وقد أشار النبى صلى الله عليه وسلم إلى بعض فوائد الصوم في قوله صلى الله عليه وسلم “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” رواه البخارى البخارى ومسلم، فبيّن النبى صلى الله عليه وسلم أن الصوم وجاء للصائم، ووسيلة لطهارته وعفافه، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجارى ويذكر بالله وعظمته.
فيضعف سلطان الشيطان ويقوى سلطان الإيمان وتكثر بسببه الطاعات من المؤمنين، وتقل به المعاصى، وفى الصوم فوائد كثيرة غير ما تقدم تظهر للمتأمل من ذوي البصيرة، ومنها أنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة ويكسبه صحة وقوة، وقد اعترف بذلك الكثير من الأطباء وعالجوا به كثيرا من الأمراض، وقد ورد في فضله وفرضيته آيات وأحاديث كثيرة، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت” رواه البخارى ومسلم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال” كل عمل أبن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله عز وجل إلا الصيام فإنه لي وأنا أحزي به، إنه ترك شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ” رواه مسلم.