
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع الصدق وسيلة إلى الرضا، ان الصدق يجعلك فى ثقة فى نفسك وكذلك الناس يثقون فيك أما الكذب فسيجعلك فى ريبة اى فى شك مما يجعل الناس يبعدون عنك ولا يثقون فيك، فهذا منصور ابن عمار يقول كان لي صديق مسرفا على نفسه، ثم تاب، وكنت أراه كثير العبادة والتهجد، ففقدته أياما، فقيل لي هو مريض، فأتيت إلى داره، فخرجت إلي ابنته، فقالت من تريد؟ قلت قولي لأبيك فلان، فاستأذنت لي، ثم دخلت، فوجدته في وسط الدار وهو مضطجع على فراشه، وقد اسود وجهه، وذرفت عيناه، وغلظت شفتاه، فقلت له وأنا خائف منه يا أخي، أكثر من قول لا إله إلا الله، ففتح عينيه فنظر إلى بشدة ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فقلت له ثانية أكثر من قول لا إله إلا الله، ثم قلتها له ثالثة، ففتح عينيه وقال يا أخي منصور هذه كلمة قد حيل بيني وبينها، فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قلت يا أخي، أين تلك الصلاة؟ أين ذلك الصيام؟ أين التهجد والقيام؟ فقال كان كل ذلك لغير الله، وكانت توبتي كاذبة.
إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني، وأذكر به وكنت أفعل ذلك رياء للناس، فأبى الله إلا أن يطرحه، قال فكنت إذا خلوت بنفسي أغلقت الأبواب، وأسدلت الستور، وشربت الخمور، وبارزت ربي بالمعاصي، ودمت على تلك مدة من الزمان، فأصابني مرض، وأشرفت على الهلاك، فقلت لابنتي هذه ناوليني المصحف وأخرجوني إلى وسط الدار في الفناء، قال فأخذوني إلى وسط الدار في الفناء، ومعي المصحف، فنظرت فيه وقرأت فيه، فقلت اللهم بحق كلامك هذا في هذا القرآن العظيم إلا شفيتني، وأنا أعاهدك ألا أعود إلى الذنب مرة ثانية، ففرج الله عني، فلما شفيت عدت إلى ما كنت عليه من المعاصي والذنوب، وأنساني الشيطان العهد الذي بيني وبين ربي، فبقيت على ذلك مدة من الزمن، في شهوات ولذات ومعاصى، أحارب رب الأرض والسماوات، فمرضت مرة ثانية مرضا شديدا أشرفت فيه على الموت، فأمرت أهلي وقلت أخرجوني إلى فناء الدار، وجيئوني بالمصحف، أفعل كما فعلت في المرة الأولى.
فقرأت القرآن ثم رفعته إلى صدري وقلت اللهم بحرمة هذا المصحف الكريم وكلامك إلا ما فرجت عني، قال فاستجاب الله، لي وفرج عني، وعاهدت الله ألا أرجع إلى الذنب والعصيان مرة ثانية، لكني عدت وتناسيت وتغافلت، فوقعت في هذا المرض الذي تراني فيه الآن، فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كعادتي وكما تراني، ثم قلت لهم ائتوني بالمصحف لأقرأ فيه، فلما فتحت المصحف في هذه المرة، لم أر حرفا واحدا من كلامه فعلمت أن جبار السماوات والأرضين قد غضب علي، كم عاهدته وكم تبت وكذبت في توبتي، وكم وكم أمهلني وأعطاني من الفرص الواحدة تلو الأخرى، فعلمت أنه سبحانه قد غضب علي، فرفعت رأسي إلى السماء، وقلت اللهم فرج عني، يا جبار الأرض والسماء، فسمعت كأن هاتفا يقول تتوب عن الذنوب إذا مرضت، وترجع للذنوب إذا برئت، فكم من كربة نجاك منها، وكم كشف البلاء إذا بليت، أما تخشى بأن تأتي المنايا، وأنت على الخطايا قد دهمت.
فقال منصور بن عمار فو الله ما خرجت من عنده إلا وعيني تسكب العبرات، فما وصلت الباب إلا وقيل لي إنه قد مات، فان ازمتنا اليوم ليست ازمة مالية ولا اقتصادية ولا غيرها بل هى ازمة اخلاقية وهى اننا بحاجة الى الصدق لانه سبيل النجاة فى كل زمان ومكان واذا كنا نتحدث عن سيد الاخلاق فكان معروفا بين أهله وعشيرته بالصادق الامين فلابد ان نتأسى باخلاقه ونسير على نهجه حتى نحشر معه يوم القيامة، فلسان حال الصادق يقول فليتك تحلو والحياة مريرة، وليتك ترضى والأنام غضاب، وليت الذي بيني وبينك عامر، وبيني وبين العالمين خراب، إذا صح منك الود فالكل هين، وكل الذي فوق التراب تراب، وقال ابن القيم رحمه الله، من منازل ” إياك نعبد وإياك نستعين ” هى منزلة الصادقين، المنزلة التي فرقت بين المؤمنين وبين المنافقين، المنزلة التي فرقت بين أهل النيران وبين أهل الجنان الصدق الذي صرع الباطل وطرحه، من صال به لم ترد صولته، ومن جال به لم ترد جولته، وهو باب الدخول على الرحمن.
وإن الصدق هو أصل البر، والكذب أصل الفجور، كما في الصحيحين عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال ” عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فان الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا “رواه البخاري ومسلم، وإن من ثمرات الصدق هو انتفاء صفة النفاق عن الصادقين ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ثلاث من كن فيه كان منافقا، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ” رواه البخاري ومسلم، وكذلك تفريج الكربات، وإجابة الدعوات، والنجاة من المهلكات، وكذلك التوفيق لكل خير، وكذلك حسن العاقبة لأهله في الدنيا والآخرة، وأن الصادق يرزق صدق الفراسة، فمن صدقت لهجته، ظهرت حجته، وهذا من سنة الجزاء من جنس العمل فإن الله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.