دين ودنيا
الدكروري يكتب المسجد وغرس القيم والتربية

بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الإنسان الذي يداوم على الطاعة وأصبحت سجية له يستعمله الله تعالي في عمل الخير عند خاتمته، بل ويعسله، وإن الإنسان لو عاش على الطاعة وداوم عليها فإن الله الكريم يستحي أن يقبضه على معصية، فقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى ” ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ” أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه، وفي المساجد تربت أجيال مسلمة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأئمة والعلماء تعلموا التوحيد، وإخلاص العبادة لله ومحبة وإنابة، ورغبة ورهبة وإخلاصا وتوكلا ، وذلا وتعبدا ، فهذه الأجيال نشرت دين الله في الآفاق، وجاهدت لإعلاء كلمة رب الأرض والسماوات، ولقد تخرج من المساجد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
ورجال لبّوا نداء الصلاة، فبادروا إلى لقاء الله، مؤمنون أحبوا ربهم فعمروا بيته، وأتمروا بأوامره واجتنبوا نواهيه، وإن ارتياد المسجد يغرس في النفس القيم الأخلاقية، ولهذا المعنى شرعت العبادات كلها، فقال تعالى فى سورة العنكبوت “وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، فالصلاة وحدها والتي يظن البعض أنها علاقة بين العبد وربه، هي في الحقيقة شحنة روحية هائلة ودرس أخلاقي واجتماعي ونفسي يدفع الإنسان إلى الطريق الأفضل في حياته وعلاقاته مع الآخرين بسلوك يتسامى ويتعالى لأنه يستمد توجيهه من التربية الإسلامية، وإن المسجد هو مكان التقاء المسلمين وتقوية الأواصر بينهم، وإن المسجد يقوي وينمي الروابط والأواصر بين المسلمين.
ويذيب الفوارق بينهم، فالحاكم يصلي بجوار الرعية، وإن من نظام الإسلام وآدابه هو شيوع آصرة الأخوة والمحبة بين المسلمين، ولكن شيوع هذه الآصرة لا يتم إلا في المسجد، فمن مظاهر ذلك أن يتلاقى المسلمون يوميا، على مرات متعددة في بيت من بيوت الله تعالى وقد تساقطت بينهم الفوارق، فالمسجد باجتماع المسلمين فيه يقضي على مرض التعالي والأثرة والأنانية، وقد أبطل الإسلام هذه الفوارق وهدمها، وإن المساجد بيوت الله تعالى وقد عظمها ربها، وقدرها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فسنّ لها آدابا وأحكاما وفضائل، فمن آداب المساجد هو التنظف والتطهر والتطيب عند الإتيان إلى المساجد، فقال تعالى “يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد” وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه إذا قام للمسجد لبس أحسن ثيابه وأجودها.
فسئل عن ذلك فقال إن الله جميل يجب الجمال، وإني أتجمّل لربي وهو يقول”يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد” وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تعطر الدرهم قبل أن تعطيه للفقير، وأظنكم تتساءلون؟ لماذا تعطر الدرهم قبل أن تتصدق به؟ فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها ” إنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يدي الفقير” ولو قيل غدا لك مقابلة مع الوزير أو الرئيس فانظر ماذا أنت صانع في لباسك؟ فما بالك بالوقوف بين يدي الله ولله المثل الأعلى، لذلك نهى عن دخول المساجد بالرائحة الكريهة كالثوم والبصل ونحوهما، فقال صلى الله عليه وسلم “من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم” رواه البخارى ومسلم، وفي مثله رائحة الدخان، وقد يكون أشد منه وأعظم إثما الدخول بالتليفون مفتوحا لتسمع الرنين هنا وهناك.