شهر رجب

بقلم فضيلة الشيخ مجدى بدران وكيل وزارة الأوقاف بالشرقيه
أن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم .
وهي مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله الكفار .
والأشهر الحرم وردت في الآية مبهمة ولم تحدد اسماؤها وجاءت السُنة بذكرها فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع وقال في خطبته إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .
الراء والجيم والباء أصلٌ يدل على دعم شيء بشيء وتقويته
رجبت الشيء أي عظّمته فسمي رجبا لأنهم كانوا يعظّمونه وقد عظمته الشريعة أيضا .
وقد كان أهل الجاهلية يسمون شهر رجب مُنصّل الأسنّة كما جاء عن أبي رجاء العطاردي قال كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخيرُ منه ألقيناه وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة كوم من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا مُنصّل الأسنة فلا ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه في شهر رجب .
إن للأشهر الحرم مكانةً عظيمة ومنها شهر رجب لأنه أحد هذه الأشهر الحرم قال تعالى .
يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام .
أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها فالنهي يشمل فعل القبيح ويشمل اعتقاده .
وقال تعالى
فلا تظلموا فيهن أنفسكم أي في هذه الأشهر المحرمة . والضمير في الآية عائد إلى هذه الأربعة الأشهر على ما قرره
فينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة
ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله ولذلك حذرنا الله في الآية السابقة من ظلم النفس فيها مع أنه أي ظلم النفس ويشمل المعاصي يحرم في جميع الشهور .
القتال في الشهر الحرام .
قال تعالى . يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير
جمهور العلماء على أن القتال في الأشهر الحرم منسوخ بقوله تعالى فإذا أنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وغير ذلك من العمومات التي فيها الأمر بقتالهم مطلقا .
واستدلوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل أهل الطائف في ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم .
وقال آخرون لا يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم وأما استدامته وتكميله إذا كان أوله في غيرها فإنه يجوز .
وحملوا قتال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف على ذلك لأن أول قتالهم في حنين في شوال .
وكل هذا في القتال الذي ليس المقصود فيه الدفع فإذا دهم العدو بلدا للمسلمين وجب على أهلها القتال دفاعا سواء كان في الشهر الحرام أو في غيره .
كانت العرب في الجاهلية تذبح ذبيحة في رجب يتقربون بها لأوثانهم .
فلما جاء الإسلام بالذبح لله تعالى بطل فعل أهل الجاهلية واختلف الفقهاء في حكم ذبيحة رجب فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن فعل العتيرة منسوخ واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا فرع ولا عتيرة.
الصوم في رجب .
لم يصح في فضل الصوم في رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه .
وإنما يشرع فيه من الصيام ما يشرع في غيره من الشهور من صيام الاثنين والخميس والأيام الثلاثة البيض وصيام يوم وإفطار يوم والصيام من سرر الشهر وسرر الشهر قال بعض العلماء أنه أول الشهر وقال البعض أنه أوسط الشهر وقيل أيضا أنه آخر الشهر .
وقد كان عمر رضي الله عنه ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية
العُمرة في رجب .
دلت الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب كما ورد عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فسئل كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أربعا إحداهن في رجب .
فكرهنا أن نرد عليه قال وسمعنا إستنان عائشة أم المؤمنين أي صوت السواك في الحجرة
فقال عروة يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ قالت ما يقول ؟
قال يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهنّ في رجب . قالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهد أي حاضر معه وما اعتمر في رجب قط .
متفق عليه وجاء عند مسلم : وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم .
البدع المحدثة في شهر رجب
إن الابتداع في الدين من الأمور الخطيرة التي تناقض نصوص الكتاب والسنة فالنبي صلى الله عليه لم يمت إلا وقد اكتمل الدين قال تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد . متفق عليه وفي رواية لمسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .
وقد ابتدع بعض الناس في رجب أمورا متعددة فمن ذلك
صلاة الرغائب وهذه الصلاة شاعت بعد القرون المفضلة وبخاصة في المائة الرابعة وقد اختلقها بعض الكذابين وهي تقام في أول ليلة من رجب قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
صلاة الرغائب بدعة باتفاق أئمة الدين كمالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم والحديث المروي فيها كذب بإجماع لأهل المعرفة
وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ولم يصح شيء من ذلك فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد في أول ليلة منه وأنه بعث في ليلة السابع والعشرين منه
وقيل في الخامس والعشرين ولا يصح شيء من ذلك
صلاة أم داود في نصف رجب .
التصدق عن روح الموتى في رجب .
الأدعية التي تقال في رجب بخصوصه كلها مخترعة ومبتدعة .
تخصيص زيارة المقابر في رجب وهذه بدعة محدثة أيضا فالزيارة تكون في أي وقت من العام .
نسأل الله أن يجعلنا ممن يعظّمون حرماته ويلتزمون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .