مدد ياشيخ أبوالصبر.

محمد حسن حمادة يكتب حصريا لشبكة أخبار مصر:
أهالي قرية البرسيم.
يروي الحدس الفلكلوري الشعبي المصري هذه القصة المضحكة المبكية تقول القصة: أنه كان لصان في العصر المملوكي الأول اسمه نائل اللئيم والثاني عطية( أبو المفاهيم). ضج الأهالي من شرهما وآذاهما ولما انتشر أمرهما قررا الهروب إلي قريه أخري وعلي غرار المثل القائل (يارايح كتر من الفضايح) سرقا حمارا وحفنه من الذهب وغادرا القرية في جنح الظلام وعلي أعتاب قريه (البرسيم) نفق الحمار، خطر علي بال نائل اللئيم فكرة شيطانية ألا وهي أن يقومان بدفن الحمار الذي صبرا معهما ثم يبنيان عليه سورا وبعد أن انتهيا من الدفن جلسا يبكيان ويرددان (لا إله إلا الله أبوالصبر حبيب الله) اقترب الناس منهما وسألوهما من أنتما ولماذا (تولولان) هكذا؟
قال اللص نائل اللئيم وهو يبكى بحرقة مصطنعة: نحن من محاسيب مولانا العارف بالله ابوالكرامات الشيخ ( أبوالصبر ) وهو من أولياء الله الصالحين يشفى المريض ويفك السحر ويزوج العانس مات هذا الصباح وأوصانا بدفنه فى هذه القرية المباركة وقال لنا: إنها قرية الخير والبركة وأهلها من أهل الجنة”.
كانا اللصان بارعان في التمثيل فصدقهما أهالي القريه البسطاء بل وساعدوهما في بناء مقام يليق بمولانا العارف بالله أبوالكرامات الشيخ الولي (أبوالصبر) حتي صار المقام مسجدا يفد إليه أهالي القريه وماحولها بل أصبح أهالي قرية (البرسيم) يتطاولون بالفخار علي أهالي القري المجاورة بسيدي الإمام (أبوالصبر).
لم يصدقا اللصان ماآلت إليه كذبتهما فقد فاض صندوق النذور بالأموال وأصبح نائل و(أبوالمفاهيم) من الأعيان والحكام ولهما كلمه مسموعة بين أهالي القرية.
وفي يوم من الأيام قال اللص نائل لصديقه (أبوالمفاهيم) سأذهب إلى قريتنا وأترك لأهالينا مايكفيهم من المال وأودع عندهم عقود الأراضي التي اشتريناها.
وبعد أكثر من شهر عاد نائل وسأل صاحبه (أبوالمفاهيم) كم دخل من المال في غيابي؟
فرد عليه (أبوالمفاهيم): ولاخردلة! فقام نائل علي الفور وأمسك بطوق صاحبه، فقال له (أبو المفاهيم): أقسم لك بحياة سيدي الولي (أبو الصبر) أنني صادق فيما أقول، فقال له اللص نائل: سيدي الولي (أبوالصبر) (ده إحنا دافنينه سوا) وصارت مثلا.
هذه هي مصر شعب متدين بطبعه وهذه القصة تجسد حال الشعب المصري في كل العصور والأزمنة وليس العصر المملوكي فقط الذي كان مليئا بالخرافات والأساطير وانتشار الدجل والشعوذة، باسم الدين يستغل أصحاب النفوس الضعيفة ارتباط المصريين بالأضرحة والمقامات في جمع الأموال دون عناء، بالإضافة إلى ترويج شائعات وأساطير وخرافات واهية، وللأسف مازلنا ننهج نفس هذا النهج، فباسم الدين تستطيع أن تملك هذا الشعب، باسم الدين تستطيع أن تحكمه، باسم الدين ستملك وتحكم وتتحكم وتستعبد رقاب الناس، من يرتدي عباءة الدين نمنحه علي الفور شيكا علي بياض ونقر له بالانقياد والطاعة العمياء ونصنع له هاله مقدسه بل ونطلق عليه لقب شيخا أو وليا، ونبني له ضريحا ثم نطوف حوله، كحال المشركين الذين كانوا يصنعون تماثيل من العجوة ويطلقون عليها آلهة يتعبدون لها ويسجدون ويركعون تحت أقدامها بالنهار وفي الليل يأكلونها! الأغرب أن المشركين كانوا يعرفون الله سبحانه وتعالي وعندما يُسألون عن عبادتهم للأصنام يقولون: كما ذكر القرآن الكريم ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ فصور لهم الشيطان اتخاذ وسيط بينهم وبين الله ليقربهم من الله أو ليكونوا شفعاء لهم عند الله، كحال بعضهم الآن الذي يطلب من الولي زيادة الرزق أو الولد وتزويج العانس وولادة العاقر وشفاء المريض، فوقعوا في نفس الفخ ونسوا أو تناسوا قول المولي سبحانه وتعالي ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ لماذا تجعل بينك وبين الله وسيطا أو مخلوقا وهو الذي ﴿ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ صدق الله العظيم.
والقول الفصل من وجهة نظري في قضية الأضرحة والمقامات وما تطمئن نفسي له وعلمونا إياه في الأزهر الشريف وكان يردده بل يحفظه لنا أساتذتنا ومنهم الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن زيارة الأضرحة من قبيل زيارة الأموات، وتُعتبر في حكم السنة؛ “يثاب فاعله ولا يعاقَب تاركه”، وأن بعض هذه الأضرحة لأولياء من الصالحين المعروف عنهم الجهاد والنضال لصالح الدين، لكن بعض العامة من الناس يعتقدون النفع والضر لأصحابها، وهؤلاء يرتكبون ما يسمى “الشِّرك الخَفي”. والعياذ بالله فالنافع والضار هو الله وحده، ويكفي أن يعلموا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: “والله ما أدري ما يُفعل بي”، فكيف يمكن لإنسان أن يعتبر الولي ينفع ويضر، وعلى من يريدون أن يفهموا الدين الصحيح، أن يعلموا أن زيارة أضرحة هؤلاء الأولياء هي تذكير لقربهم من الله، والعمل على أن يقلدوا أصحاب هذه الأضرحة في الأعمال الصالحة، ومن يظن أنهم ينفعون أو يضرّون فلديه خلل في عقيدة توحيده”.