وقفه مع فضل العلم ” الجزء الأول “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن العلم في الإسلام لا يعني فقط العلم بأحكامه وآدابه، بل حتى بالعلم الكوني، أو العلم المادى، ذلك أن الإسلام جاء شاملا لضروب النشاط الإنساني كافة ومنها البحث الكوني، وقد أمر الإنسان بتعمير هذا الكون المسخر له، وذلك يعني في الوقت نفسه أن الكون المشاهد خاضع لإدراكه وبحثه، وأن ظواهره ليست بالشئ المبهم الغامض الذي لا يفسر، وأن بمقدوره الاستفادة من الكون واستغلال خيراته على أوسع نطاق لتأمين حياته ورفاهيتها، وإن توجيه القرآن في هذا الصدد هو تأكيد لروح المنهج العلمي الصحيح الذي يدفع الإنسان إلى محاولة استكشاف ما هو مجهول من هذا الكون وظواهره على أساس من الثقة بقدرة الإنسان وبالعلم في مواجهة الطبيعة .
ومما له دلالة على أن العلم في الإسلام غير محدود بحد معين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “أنتم أعلم بشؤون دنياكم” وهذا مما يفتح الباب واسعا أمام العقل ليستنبط من أنواع العلوم مالاحصر له، ومنها ما يتعلق بشئون السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها، مما لم يرد فيه نص، وإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جعل أسرى غزوة بدر يفتدون أنفسهم بتعليم عشره من المسلمين القراءة والكتابة، وكما أن السيدة حفصة رضى الله عنها في بيت النبوة، تعلمت القراءة والكتابة علي يد صحابية هي السيدة الشفاء بنت عبد الله وقد شجعها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على التعلم، وإن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بيّنا منزلة العلم الرفيعة.
ومقامه العالى، كما دعا القرآن والسنة النبوية المشرفة إلى الأخذ به، والحث عليه، ومعرفة أسباب تحصيله وجمعه، والتي تتمثل أسباب ثلاثة تمكن الإنسان من العلم الصحيح والمعرفة النافعة، وهى القراءة والنظر والتفكر في ملكوت السموات والأرض، والسير في الأرض، وإن دراسة العلوم الدنيوية وهى الكونية و الإنسانية، مثل علوم الطبيعة، والكيمياء، والفلك، والأحياء والنبات، والنفس والاجتماع، والتاريخ العام، لا تقل في أهميتها عن دراسة العلوم الشرعية، وقد أمرنا الله جلت قدرته ووسع علمه بتعلم العلم قبل العمل، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، ورفع أهل العلم على سائر الناس لما حصلوه من العلم، وأمر بالرجوع اليهم عند الحاجة.
ومن المعلوم أيضا أن للجهل مضاره العديدة، وخطورته الأكيدة، ومما يدل على خطورة الجهل وضرره أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ منه وسأل المولى جل وعلا أن يغفر له خطاياه وجهله فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو” اللهم اغفر لى خطيئتى وجهلى وإسرافى فى أمرى وما أنت أعلم به منى اللهم اغفر لى هزلى وجدى وخطاى وعمدى وكل ذلك عندى” فإن الجهل من أسباب ضعف الإيمان، فالجاهل معرض للشبهات التي تزعزع الإيمان وتنقصه، والجاهل يرتكب الخرافات والبدع التي تهدم الدين وتقوض أركان العقيدة، وإن الجهل موت لصاحبه.
فالجاهل ميت القلب والروح، ومن وصايا لقمان لأبنه أنه قال له يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل القطر، ولله در القائل، وفي الجهل قبل الموت موت لأهله، وأجسامهم قبل القبور قبور، وأرواحهم في وحشة من جسومهم، فليس لهم حتى النشور نشور، وأن الجهل من أسباب الضلال والانحراف، فهو من أهم الأسباب لحصول الضلال والانحراف عن الحق لصاحبه ولغيره، وهو سبب لانحراف كثير من الناس عن الهدى والصواب، ولقد جاءت نصوص قرآنية تحذر من ترؤس الجهلة وتصدرهم لقيادة الأمة، إذ بذلك تجتلب المحن والفتن على المسلمين.