بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنه إذا نظرت إلى الإنسان المسلم الحقيقي مع نفسه تجده عاصيا للهوى، يقوّمها على الهدي القويم، فهو معتدل في طعامه وشرابه، نظيف المظهر، حسن الهيئة، من غير إسراف ولا مخيلة، يخفق بقلبه ومشاعره وأحاسيسه إلى عبادة الله وحده، يكثر من قول لا إله إلا الله لتجديد إيمانه كما أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك، وتراه ملازما للصديق الصالح ومحافظا على مجالس الإيمان، يربي نفسه على كظم الغيظ والعفو عن الآخرين والتماس الأعذار للأصدقاء وحسن الظن بالآخرين، وها هي شخصية المسلم تبرز أكثر مع والديه، فهو بار بهما، عارف قدرهما وما يجب عليه نحوهما، كثير الخوف من عقوقهما، فقلبه قابض بالحب لهما، يداه مبسوطتان بالبذل لهما، طيب الكلام معهما، فهو يعرف أن رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما، وتمتد شخصية المسلم إلى زوجته، فهو كيس فطن، يكمل نقصها، يعاشرها بالمعروف.
فهو ملتزم هدي الإسلام في حياته الزوجية، محسن في التوفيق بين إرضاء الزوجة وبرّ الوالدة، يجعل زوجته صانعة الرجال ومربية الأبطال، ويظهر أثر شخصية المسلم على رجال الغد وهم أبناؤه، فقد رباهم أحسن تربية، وبأساليب دينية سليمة، فهم يحسّون بحبه لهم، وينفق عليهم بسخاء، لا يفرق بين أبنائه وبناته، فقد غرس في نفوسهم مكارم الأخلاق وأبعدهم عن سفاسِف الأمور ورذائلها، والمسلم مع أقاربه يخاف من قطيعة رحمه، يعلم أن قطيعة الرحم تحجب الرحمة وترد الدعاء وتحبط العمل، متفهم لمعنى الرحمة بمعناها الواسع، وإذا نظرت إلى المسلم مع جاره تجده أحسنهم معاملة، فهو سمح له، يفرح لفرحه، يحزن لحزنه، ولا يقابل إساءة الجار بمثلها، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام “أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه” وفي وسط هذه الجاهلية التي يعشيها المسلمون اليوم، ضاعت هوية الشخصية الإسلامية.
وانعدمت ميزاتها إلا من رحم ربي، والبحث عن سمات الشخصية الإسلامية من الأمور المطلوبة لكل مسلم يريد أن يسير إلى ربه على نور من الله في صراط مستقيم، وللشخصية الإسلامية سمات بارزة، وعلامات مميزة، فإن الشخصية المسلمة سريعة التأثر والانفعال مع أدلة القرآن والسنة، سريعة التأثر مع المواقف التي جاء في القرآن والسنة ذكر لها، سريعة التأثر والانفعال إذا ما حدث خطأ من الأخطاء، سريعة التأثر والانفعال إذا ما وقع المسلم في ذنب من الذنوب، سريعة التأثر والانفعال عند رؤية أحوال المسلمين، سريعة التأثر والانفعال لمواعظ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولقد كان التأثر والانفعال في عصر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،تلك الشخصيات التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم،على منهج الله، فمشت بخطى ثابتة مستقيمة، على منهج الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولقد كان أول تأثر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأول ما تأثروا عندما عرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الدعوة، عندما عرض عليهم نصوص القرآن، ونصوص السنة، ولذلك كانت الصفوة المختارة عندما تسمع كلام الله تتأثر مباشرة، فترق القلوب، وتدخل تلك النفوس في دين الله عز وجل، وإذا اعتدى أحدهم على مسلم ضعفت نفسه في موقف، فعن معاوية بن الحكم السلمى قال، في حديث طويل يرويه الإمام مسلم، منه” وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، عدا الذئب على شاة فأخذها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، ضربها بكفه على صفحة وجهها، تأثر كيف يذهب الذئب بغنمه، بشاة، كيف يذهب بها، أين أنت؟ أين حراستك؟ أين رعايتك للغنم؟ تأثر فضربها بيده على صفحة وجهها، فماذا كان موقف الصحابي لما أخطأ؟
لما أخطأ في حق هذه المرأة المسلمة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لينظر ماذا عليه، فهذه الضربة، كما أثرت في وجه المرأة فقد أثرت في نفس الضارب، أثرت في نفسه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظم ذلك علي، كيف تفعل هذا الفعل، كيف تفعل، كيف تضرب على الوجه، كيف تضرب أصلا، ماذا فعل الصحابي عندما عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم،هذا الأمر؟ قلت يا رسول الله أفلا أعتقها؟ أيهما أغلى الشاة أم المرأة، الراعية، وهي الأمة عند الرجل؟ فإن الأمة عند الرجل أغلى، وفائدتها عنده عظيمة، لكن لما تأثر ما صار عنده مانع أن يعتقها، قال أفلا أعتقها؟ قال ائتني بها، فأتيته بها، فقال لها صلى الله عليه وسلم،أين الله؟ قالت في السماء، قال من أنا؟ قالت أنت رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم،أعتقها فإنها مؤمنة” وهكذا فإن كثير من المسلمين اليوم يعتدون بالضرب على إخوانهم المسلمين الآخرين المستضعفين.
وحتى إخوانهم الصغار، فيا ترى هل إذا أخطؤوا يتأثرون مثلما تأثر هذا الصحابي؟ وهل إذا أخطؤوا تنطلق منهم كلمات الأسف، حتى الأسف، والتأسف، والاعتذار، أم إن أحدهم تأخذه العزة بالإثم، فيرفض أن يتفوه بكلمة واحدة يعتذر بها عما فعله.