مقالات

شيرين العدوي تكتب..النسبية

النسبية
بقلم د/ شيرين العدوي

نظرية النسبية : هي الوصول إلى قوانين تفسر الظواهر الطبيعية، دون أن تتشكل هذه القوانين تبعا لتغير المكان والزمان والظروف والأحوال. وقد تحدث كثيرا الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (ت 1704 م) في كتابه عن المعرفة الإنسانية عن مصطلح النسبية وحاول أن يبين لنا أن رقعة شطرنج التي لا تتحرك فيها البيادق على مربعاتها تظل ثابتة حتى لو وضعناها في حجرة أو على ظهر سفينة طالما لم نحركها مهما تغير الزمن والظروف. و في هذه النظرية أيضا الشمس متحركة إذا نظرنا إليها من خلال القمر، والقمر متحرك إذا نظرنا إليه من خلال الشمس. فاختلاف الحالة يتم من خلال اختلاف زاوية النظر.
نستطيع أن نطبق هذا المفهوم على الحياة، فما نراه ثابتا يراه الآخرون متغيرا. وما نراه مهما يراه الآخرون تافها والعكس. تأتي تلك النظرة من كيفية تربية الأولاد. و طريقة تهذيب نفوسهم في الصغر، ومن ترتيب الأولويات لاحتياجاتهم. فليست الجينات الجسمانية هي فقط التي تورّث ولكن الصفات النفسية الإنسانية كذلك. فالمجتمع كله وصفاته غرس الأسرة والبيئة .إن نظرية النسبية الاجتماعية كانت سببا غير مباشر في وجود النظرة الطبقية لبعض أفراد المجتمع.
نحن البشر في كل المجتمعات من أسسنا للقيم والعادات، ونحن من هدمناها. ألم تستفهم الملائكة من الله عن سر جعل الإنسان مستخلفا علي الأرض دونهم ، مشفوعا هذا السؤال الحائر باستكناه الحكمة ممن هو أدرى بخلقه. قال تعالي: ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ) [البقرة: 30]. فعلم الله يكشف صفات الإنسان الفاعلة في الكون. والسؤال عن الدماء في الآية و نسبية النظرة الاجتماعية يسلمنا للنظر لشريحة قوية من المجتمع نفخر بها جميعا تستحوذ على مشاعري كاملة ألا وهي طبقة العساكر المجندة البسطاء العظماء الذين شاهدتهم عن قرب لأول مرة من عدة سنوات في مركز التدريب الذي جنِّد فيه ابنى الراحل ، إثر حادث سير عادي، وبعد تأديته الخدمة العسكرية بعدة سنوات. تتعدد الأسباب والموت واحد. وواحد من أسباب هذا الموت الحروب التي تأكل الجنود الخضر والأبناء الأشاوس. فمن يموت مدافعا عني وعنك لا ينسى. وهل ينسي حادث الجنود المجندين بعد ثورة 30 يونيو ؟ هؤلاء الذين ماتوا برصاص الغدر وهم صائمون في كمين إرهابي أنزلهم من عربتهم التي كانت تقلهم على حدود سيناء وقتها، قتلهم هذا الحقد الأسود والإرهاب الغادر فأرداهم زهورا في ملابسها الكاكي. شباب بسطاء شاهدت أهاليهم في مركز التدريب منهم من أكمل تعليمه الجامعي، ومنهم من اكتفى بتعليمه المتوسط. من يومها كلما تذكرت المشهد وتخيلت ابني مكانهم انفجرت دموعي ساخنة، وأحمد الله أنه لم يمت تلك الموتة الغادرة. فالله في عون كل أم ثكلى مات ابنها غدرا. نسبية تأثير المشهد تختلف من نفس إلى نفس؛ فقانون الغدر الذي حكمها كان مستمرا في ديناميكية حركته حتى أصبحنا وقتها لا ندرك كنهه، فقط نشعر بنتائجه.وقتها خرج علينا من منصات التواصل من يشكك في العمليات الإرهابية أصلا ليتهم أداء الدولة وقدرتها على السيطرة، فالخيانة لا تتجزأ. لقد ألجم مسلسل “الاختيار” الألسنة ورفع من قيمة الجنود البسطاء الذين صمدوا مع القائد. فهؤلاء الجنود البسطاء ملح الأرض، صورتنا المشرقة. فرحهم بسيط ونفوسهم الجمال. لقد أخذ مسلسل الاختيار بثأرهم جميعا عندما فقه الناس ما يحدث على أرض سيناء. إنه الفن عندما يؤدي رسالته. وقد يخرج من يشكك في قيمته؛ فالمسألة نسبية.

اظهر المزيد

شبكه أخبار مصر

فاطمة الشوا رئيس مجلس إدارة جريدة شبكة أخبار مصر وصاحبة الإمتياز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock