دين ودنيا

الدكروري يكتب عن البحث عن عيوب الجار

الدكروري يكتب عن البحث عن عيوب الجار
بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد ربى الإسلام أبناءه علي الأخلاق الإسلامية فكانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، يحمل غنيهم فقيرهم، ويعين قويهم ضعيفهم،لا شحناء ولا أحقاد، ربط الود بين مشاعرهم، وجمع الإيمان بين أفئدهم، وما أجمل أن يأخذ المسلمون أنفسهم بهذه المبدأ الكريم، وإن من الأذى هو التعدي على أرض الجار وحدود بيته والسطو على ممتلكاته، وهذه صورة مشاهدة عند بعض الجيران أورثت أحقادا ومشكلات وصلت إلى آثار خطيرة، ولو تأمل الجار المتعدي وكان عنده إيمان في عقوبة ذلك لانكف عن هذا الأذى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين” ومن الأذى أيضا هو وضع القاذورات في طريقه ومضايقته فيها، وتسليط الزوجة أو الأولاد لإيذائه أو إيذاء أهل بيته.

وإزعاجه بالأصوات المؤذية من أجهزة المسجل وغيرها، ومن الأذى أيضا هو هجره وقطعه، وحسده في نفسه أو زوجته وأولاده، أو في وسائل راحته، وسعة دنياه، ومن الأذى أيضا هو احتقاره والسخرية منه، بمأكله أو مشربه، أو ملبسه أو مسكنه، أو خَلقه أو خُلقه، ومن الأذى أيضا هو كشف أسراره، والبحث عن عيوبه، والفرح بزلاته ومصائبه، فالجار أقرب الناس إلى جاره و أعرفهم بأخباره، فمن اللؤم والحرمة كشف خبره وهتك سره، والجار الصالح لا يتتبع عثرات جاره، بل يسترها، ولا يفرح لهفواته بل يحزن إن وصل علمه إليها، فإن إيذاء الجيران ذنب كبير يذهب من الإيمان جزء كبيرا، وإذا ذهب كمال الإيمان تعرض صاحبه للعقوبات، وتخلى الله تعالى عن عونه ومعيته له، فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم” والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن “

قيل ومن يا رسول الله؟ قال “الذي لا يأمن جاره بوائقه” فانظروا إلى هذا التكرار في نفي الإيمان عن الجار المؤذى، بل أعظم من ذلك أن الجار المؤذي متوّعد بعدم دخول الجنة، إذا استمر على إيذائه، أو استحل ذلك، ومات على هذه الحالة السيئة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه” والبوائق هى الشرور، فاتقى أيها الجار في جيرانك، واحذر الأذية، فإنها إلى النار مطية، ويُروى أن مالك بن دينار رحمه الله، كان له جار يهودي، فحول اليهودي مستحمه إلى جدار البيت الذي فيه مالك، وكان الجدار متهدما، فكانت تدخل منه النجاسة، ومالك ينظف البيت كل يوم، ولم يقل شيئا، وأقام على ذلك مدة وهو صابر على الأذى، فضاق صدر اليهودي من كثرة صبره على هذه المشقة.

فقال له يا مالك، آذيتك كثيرا وأنت صابر، ولم تخبرني، فقال مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيُورّثه” فندم اليهودي وأسلم، وإن من النتائج والثمرات التي تترتب على مراعاة حق الجار، أنها سبب في تعمير الديار لما يحس به المرء من راحة البال بجوار جاره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “إنه من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم، وحُسن الخلق وحُسن الجوار يعمُران الديار، ويزيدان في الأعمار” وهكذا فإن سلام القلوب بذكر الله تعالي، ونسيان الله عز وجل يؤدي بالعبد إلى الضياع والتشتت، وكما أن الصلاة والوقوف بين يديه عز وجل، هي أعلى إحساس بالسلام النفسي، فقال صلى الله عليه وسلم “أرحنا بها يا بلال” فهي الراحة وفيها الراحة ومنها الراحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock