دين ودنيا

وقفه مع ما بين الوفاء والخيانة “الجزء الأول”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

إن معرفة الدنيا لا تكفيك ما لم تعرف حقيقة الدنيا المذمومة ما هي؟ وما الذي ينبغي أن يجتنب منها وما الذي لا يجتنب؟ فلا بد وأن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها لكونها عدوة قاطعة لطريق الله عز وجل، ونقول هي دنياك، وآخرتك عبارة عن حالتين من أحوال قلبك، فالقريب الداني منها يسمى دنيا، وهو كل ما قبل الموت، والمتراخي المتأخر يسمى آخره، وهو ما بعد الموت، فكل ما لك فيه حظ ونصيب، وغرض وشهوة، ولذة عاجل الحال، قبل الوفاة فهي الدنيا في حقك، إلا أن جميع مالك إليه ميل، وفيه نصيب وحظ، فليس مذموم بل هو ثلاثة أقسام، فالأول هو ما يصحبك في الآخرة، وتبقى معك ثمرته بعد الموت، وهو شيئان، العلم والعمل فقط.

والمراد بها ما يكون من علوم الشريعة والدين لا علوم الدنيا، والعمل ما أريد به التعبد لله كالصلاة، والحج، والصوم، والأكل، والشرب، وغيره، فهذا مطلوب لا يذم أبدا، والثاني وهو ما هو عكس الأول أي ما كانت لذته عاجلة قبل الموت من التلذذ بالمعاصي، والمنكرات، والخوض في مال الله بغير حق، وأكل أموال الناس، فهذا مذموم جدا، والثالث وهو ما كان بينهما مما يعين على طاعة الله تعالى كالأكل، والشرب، واللباس بالاقتصاد، ومن طريقة الحلال فهذا يلحق بالقسم الأول لأنه من وسائله، واعلم أن وصال الدنيا مقرون بالشتات، والحياة الشائقة سائقة إلى الممات، والأغراض فيها أغراض للسهام النائبات، ويكفيكم عظة سلب الآباء والأمهات.

فاذكر هاذم اللذات صباحا ومساء، وتفكر في بلى وجوه قد كن صباحا، فقد أفصحت عبر الدهر بالعبر إفصاحا، فكيف يغتر من تعد أنفاسه؟ وكيف يقر من قد قرب اختلاسه؟ فنيت والله الأيام، ولكن بخطايا وآثام، وكأن قد نزل بكم الحمام، وأول ما يلقاكم عند حلول القبر الندامة، وآخر ما ترون عند القيام القيامة، فرحم الله عبدا علم أن الدنيا دار غرور، ففارق ما فارق فيها من الشرور، واختار حزن الحُزن على سهل السرور، ولاحظ قرب الآخرة، فصاحب الصور قد التقم الصور، فإن عنوان سعادة المرء ودلائل توفيقه إنما يكون في إنابته لربه واستقامته على شرع الله ودينه وإقباله على الله تعالى بنية خالصة وعبودية صادقة في كل حالاته، وأن لا تشغله الحياة الدنيا.

والسعي في تحصيل ما يؤمل منها عن الاستعداد للحياة الباقية والتزود للدار الآخرة، فذلك سبيل الصالحين، ونهج المتقين ممن وصفهم الله عز وجل في محكم التنزيل بقوله فى سورة النور”رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار” فإن هؤلاء الصالحين على الرغم من اشتغالهم بالبيع والشراء، وما يحتاجون من عرض الدنيا، إلا أن ذلك لم يكن حائلا بينهم وبين استحضار عظمة الله جل جلاله، استحضارا يحمل على تقوى الله عز وجل وخشيته على الدوام، والقيام بعبوديته حق القيام، وهكذا شأن المؤمن حقا، يغتنم أيام العمر وأوقات الحياة بجلائل الأعمال الصالحة، ويبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة.

لعلمه أن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا وسيلة للفوز بالحياة الباقية والظفر بالسعادة الدائمة، لا أنها غاية تبتغى، ولا نهاية ترتجى، بل إنما هي عرض زائل، يأكل منها البر والفاجر، وأنه مهما طال فيها العمر، وفسح فيها للمرء الأجل، فسرعان ما تبلى، وعما قريب تفنى، وليس لها عند الله شأن ولا اعتبار، وإنما هي قنطرة إلى الجنة أو النار، وإن في زمننا هذا ابتعد كثير من الناس عن أخلاقيات ديننا الكريم، ففصلوا بين الجانب العملي والجانب النظري، والإسلام قول وعمل، فلا بد من الأخذ بالاثنين معا، ولا ينفع الانتماء للإسلام قولا فقط، بل لا بد من عمل يبرهن على إيمان المرء بربه تعالى فالإيمان اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock