مقالات

الدكروري يكتب عن الخوف من علام الغيوب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إنه متى علم العاقل ما في الوقوع في المحرم من العقاب الدنيوي والأخروي أوجب ذلك أن يدعها خوفا من علام الغيوب، وإن من الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله قوله صلى الله عليه وسلم “حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات” رواه البخاري ومسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم “حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره” رواه البخاري، وقال العلماء هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، من التمثيل الحسن ومعناه لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره والنار إلا بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما فمن هتك الحجاب وصل إلى المحبوب فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات.

فمعنى هذا الحديث أن من أراد الفوز بالجنة والنجاة من النار، فعليه بفعل الطاعات واجتناب المحرمات ولو وجد في ذلك مشقة على نفسه، والحقيقة أن هذه المشقة تتلاشى كلما زاد إيمان العبد وقويت صلته بمولاه، وأما القسم الثالث من الصبر فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة ومعناه أن يستسلم الإنسان لله فيما يقع عليه من البلاء والهموم والأسقام والمصائب، وأن لا يقابل ذلك بالتسخط والتضجر، فالله هو المتصرف بعباده كما يشاء، فلا اعتراض عليه، له الملك وله الحمد، له الخلق وله الأمر، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، فالمؤمن يعلم أن البلاء لنزوله أسباب وحكم بعضها ربما يعلمها العبد وبعضها لا يعلمها إلا الله، والمؤمن يعلم أن لدفع البلاء ولرفعه أسبابا من أعظمها لجوؤه ودعاؤه وتضرعه إلى مولاه.

والمؤمن يعلم أن ما ينزله الله بعبده المؤمن رحمة وخيرا وحكمة ورفعة للدرجات وتكفيرا للسيئات ولذلك يكون راضيا بما قدره الله، مسلما أمره إلى الله، محتسبا الأجر والخلف من الله الكريم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، وفي الحديث أن من نابه أمر مهم من الكرب ينبغي له أن يفزع إلى الصلاة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “أما العذاب المدفوع، فهو يعم العذاب السماوي، ويعم ما يكون من العباد وذلك أن الجميع قد سمّاه الله عذابا، وقال الشيخ السعدي رحمه الله، في قول الله تعالى ” وما كان الله معذبهم وهم يستعفرون” فهذا مانع من وقوع العذاب بهم، بعدما انعقدت أسبابه” وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال “أمانان كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رُفع أحدهما وبقي الآخر. 

وقرأ قول الله عز وجل من سورة الأنفال ” وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون” رواه احمد، وعن فضالة بن عُبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله” رواه أحمد، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال خسفت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته قط يفعله، وقال “هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره” متفق عليه، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله “وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع البلاء” 

وتفكروا في حكم المولى في تصريف الأمور، وأنه المحمود على ذلك، وأن أي شدة صغيرة أو كبيرة خاصة أو عامة إنما فرجها بيد من هو على كل شيء قدير، فعلينا أن نحسن الظن بالله وأن لا نقنط من رحمة الله وأن نرضى بما قدر الله وأن نتذكر مع نزول أي مصيبة كثرة نعم الله علينا ولطفه بنا وذلك من أعظم ما يهون المصائب، وعلينا الاعتراف بتقصيرنا وعيوبنا ومعاصينا بين يديه سبحانه، والتوبة النصوح من جميع الذنوب، والقيام بما أمرنا الله به من الصبر واحتساب الأجر، والإيمان به والتوكل عليه والعمل بما يرضيه والبعد عن معاصيه وبذلك تكون العبودية لله في جميع التقلبات والأحوال والتي هي طريق السعادتين في الدنيا والآخرة، فقال الله تعالى كما جاء في سورة التغابن ” ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدي قلبه والله بكل شيء عليم”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock