دين ودنيا

وقفه مع إرضاء الله عز وجل ” الجزء العاشر”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء العاشر مع إرضا الله عز وجل، فاعلم أن مع العسر يسرا، ومع الكرب فرجا، فيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة بعد أن أخرجه قومه منها وحاولوا قتله، يخرج متخفيا مع صاحبه والقوم يشتدون في طلبه، وتتجمع العرب قاطبة على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه في المدينة تستهدف استئصالهم والقضاء عليهم، وينقض اليهود من داخل المدينة عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشتد الأمر والكرب، لكنه الإيمان الراسخ كالجبال الشم الراسيات بأن مع العسر يسرا، وأن مع الخوف أمنا، وبعد الذل غلبة ونصرا، هكذا هو حال المؤمن الموحد الذي يثق بأنه لا مدبر لهذا الكون سوى الواحد الأحد؛ الذي لا تخفى عليه خافية فهو سبحانه وتعالى القائل ” الذى يراك حين تقوم، وتقلبك فى الساجدين” يبتلي عباده بالسراء والضراء، والنعمة والبأساء، والصحة والمرض، والغنى والفقر، فهو سبحانه القائل” ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون” فيا من شكا الخطوب، وعاش وهو منكوب.

ودمعه من الحزن مسكوب، يامن داهمته الأحزان، وبات وهو سهران، وأصبح وهو حيران، يامن هده الهم وأضناه، وأقلقه الكرب وأشقاه، وزلزله الخطب وأبكاه، أنسيت أمن يجيب المضطر إذا دعاه، للمرض شفاء، وللعلة دواء، وللظمأ ماء، وللشدة رخاء، وبعد الضراء سراء، وبعد الظلام ضياء، كان بلال يسحب على الرمضاء، ثم رفع لرفع النداء، وكان يوسف مسجونا في الدهليز، ثم حكم مصر بعد العزيز، فعسى أن تكون الشدة أرفق بك، والمصيبة خيرا لك، فإذا ضاقت بك السبل، وانقطعت بك الحيل، فالجأ إلى الله عز وجل، واعلم أن الشدائد ليست مستديمة، ولا تبقى برحالك مقيمة، والدنيا أحوال، وألوان وأشكال، ولن تدوم عليك الأهوال، فسوف تفتح الأقفال، وتوضع الأغلال، والشدائد تفتح الأسماع والأبصار، وتشحذ الأفكار، وتجلب الاعتبار، وتعلم التحمل والاصطبار، تذيب الخطايا، وتعظم بها العطايا، وهي للأجر مطايا، وهؤلاء الذين يركبون البحر فيسافرون كان لهم في الماضي شأن عجيب، وكانت تحل بهم النكبات والعواصف.

فتكاد أن تغرقهم، ويقول العلامة صديق حسن خان رحمه الله، في كتابه رحلة الصديق إلى البيت العتيق ولما سار المركب من الحديدة سكن الهواء إلى ثلاثة أيام، ولم يتحرك المركب خطوة من محل القيام، وبعد ذلك هبت الريح الأزيز، وجاء الغيم والمطر بالليل، ورجع المركب إلى عقبه، وسار إلى غير صوبه، فمكثنا بهذه الحالة في البحر إلى أيام آيسين من الوصول إلى المأمول، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، من طول الركوب ومخالفة الهواء، وقلة المطعوم والمشروب، وبلغت الأنفس التراقي، وكانت الأيدي إلى السماء مرفوعة، ثم سمع الله دعاء الآيسين، وهبت لنا ريح طيبة من رب العالمين إلى يومين، وكانت ضعيفة، ولكنها أخرجت المركب من مجمع الجبال المستغرقة في الماء إلى ساحل النجاة، ولما قربنا من جدة، قرب المركب ليلا إلى جبل في الماء، ومن أخطر الأمور أن يقترب المركب إلى جبل في الماء، فاضطرب له المعلم اضطرابا شديدا، وربط أشرع السفينة، وعمل كل تدبير خطر له بالبال، وأنزل الملاحون أقرب.

وهى قوارب السفينة وسعوا إلى جوانبه، وعلموا أن المركب لو سارت قليلا لتصادم بالجبال، فمضى هذا الليل في غاية الاضطراب، وتمت تلك الليلة بالاستغفار، وإخلاص النية، والتوبة، وكلمة الشهادة على الألسن، وسلموا أنفسهم للموت، وكان رحمة الله علينا بالسلامة حتى طلع الفجر، وشاهدنا ذلك الجبل في ضوء النهار، فإن الدنيا مبنية على المتاعب والأوصاب ولهذا هي ثمانية تجري على المرء دائما ولا بد أن المرء يلقى الثمانية، سرور وحزن، واجتماع وفرقة، ويسر وعسر، ثم سُقم وعافية، فيتخللها النكبات والأزمات، والهموم والغموم، فلهذا يعتري الإنسان الهم والغم، والقلق والأرق، ولكن جعل الله لكل همّ فرجا، ولكل ضيق مخرجا، فمعنا في هذه الدقائق المعدودة مفاتيح الفرج، لعل الله عز وجل أن يجعل لنا وللمسلمين من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، وأول هذه المفاتيح هو توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له وحده، والرضا به ربّا، وبالإسلام دينا، والرضا بربوبيته مدبرا، وخالقا ومتصرفا، والرضا بألوهيته إلها ومعبودا.

والرضا بأسمائه وصفاته، فكلما قوي توحيدك ذهب همّك وغمّك، ومن ذلكم حُسن الظن بالله، والثقة بالله، والاعتماد عليه، ومن ذلكم الالتجاء إلى الله، والاستعاذة به فلهذا إذا التجئ العبد إلى ربه وخالقه فإن الله يعيذه ويحفظه من كل سوء ومكروه، ومن ذلكم التوكل على الله تعالى والتوكل صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار، وقال الشافعي رحمه الله، صبرا جميلا ما أقرب الفرج من راقب الله في الأمور نجا، فيا أيها العامل أو الموظف قد تمر بك ساعات شدة، قد تفصل من عملك، أو تفقد وظيفتك، فينزل بك الكرب، ويركبك الهم، أين تذهب؟ وماذا ستفعل؟ وكيف تعيش؟ ومن أين تكسب اللقمة التي تضعها في أفواه أولادك؟ ما مصيرهم؟ ولكن اعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأنه يرزق الطير في جوها، والنمل في جحرها، وأن الله لا يضيع عباده، واتق الله في جميع أمورك، حتى يجعل الله لك فرجا، ويرزقك من حيث لا تحتسب، فيقول تعالى ” ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock