دين ودنيا

الدكروري يكتب عن عليكم بالأضاحي

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهو القلب، فإذا صلح صلح كل شيء، وإذا فسد فسد كل شيء، فلا تنفع موعظة، ولا تجدي نصيحة، ولا تؤثر خطبة إذا لم يكن صالحا، ولربه خاشعا، وهو القلب، فإذا صلح فهو الآمر والناهي، والرادع عن كل خلل، والمانع من كل زلل، لذلك هناك علاقة وطيدة بين صلاح القلب في كل وقت وحين، وإن المال في الأساس هو مال الله عز وجل وأن العبد مستخلف فيه، فمن أنفق ماله في مرضاة ربه أخلف عليه نفقته، وتقبل منه، وأجزل له المثوبة، ومن بخل فإنما يحرم نفسه الأجر العظيم، فينبغي أن يسارع كل قادر مستطيع إلى عقد النية على شراء الأضحية وذبحها تقربا إلى الله تعالى وطمعا في رضاه وحسن ثوابه، ولقد شرع لنا ربنا عز وجل الأضحيةَ بقوله تعالى “فصلى لربك وانحر” وهي من نعمة الله على عباده أن يشرع لهم ما يشاركون به الحجاج.

فالحجاج لهم الهدي وغيرهم لهم الأضحية فجعل لغير الحجاج نصيبا مما للحجاج، كترك الأخذ من الشعر في أيام العشر لمن أراد أن يضحي من أجل أن يشارك أهل الأمصار أهل الإحرام بالتعبد لله تعالى، بترك الأخذ من هذه الأشياء، وبالأضحية نقتدي بأبينا إبراهيم عليه السلام، الذي أمر بذبح فلذة كبده، فصدّق الرؤيا، ولبّى الأمر وتله للجبين، فناداه الله وفداه بذبح عظيم، والأضحية سنة وهذا قول جمهور الفقهاء من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم لحديث السيدة أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسّ من شعره وبشره شيئا” رواه مسلم، فجعل الأضحية مردودة إلى إرادة المسلم وما كان هكذا فليس واجبا، لكن تتأكد الأضحية على من وسع الله عليه بالمال فهي سنة مؤكدة بل بعض أهل العلم يوجبونها، ومن فوائد الحديث أن الذي ينهى عن أخذ الشعر والظفر هو المضحي.

فمن وكل غير بذبح أضحيته فالذي يمسك هو الموكل مالك الأضحية لا الوكيل، وكذلك من يشرك أولاده وزوجته في أضحيته لا يجب عليهم أن يمسكوا عن أخذ الشعر والظفر لأنهم ليسوا مضحين إنما مضحى عنهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرك أزواجه في أضحيته ولم ينقل عنه أنه كان يأمرهن بالإمساك من أخذ الشعر والظفر، والمشروع أضحية واحدة أو أكثر فالتضحية من العمل الصالح الذي يشرع الإكثار منه إذا كان الحامل عليه طلب الثواب والأجر لا المباهاة والمفاخرة فقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة وقد كان صلى الله عليه وسلم يرسل إلى البيت وهو في المدينة أكثر من هدي، وإن ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها فالذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد فإن نفس الذبح وإراقة الدم عبادة مقصودة، فقال تعالى “قل إن صلاتى ونسكى ومحياي ومماتى لله رب العالمين”

ولهذا لو تصدق الحاج عن دم المتعة والقران بأضعاف القيمة لم تبرأ ذمته حتى يذبح الهدي، وإن الأولى أن يضحي الشخص ببلده وإن كانت تشق عليه الأضحية الغالية فيشتري أضحية رخيصة في بلده، ويساعد المحتاجون من المسلمين في الخارج بصدقة التطوع والزكاة، والنبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالضأن والبعض يسأل هل البربري من الضأن أم من الماعز فالجواب، أنه ذكر أهل العلم ضابطا للتفريق بين الضأن والماعز، فقال القرطبي في تفسيره أن الضأن ذوات الصوف من الغنم، والمعز من الغنم خلاف الضأن، وهي ذوات الأشعار والأذناب القصار، فعلى هذا فالبربري الموجود عندنا، الذي له إليه من الضأن يجوز ذبحه في الأضحية والعقيقة والهدي وإن لم يتم سنة، فمن شروط الأضحية السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه فلا تجزئ العوراء البين عورها.

وهي التي قد انخسفت عينها وذهبت وكذا إن بقيت حدقتها مع عدم الإبصار فإن كان بها بياض لا يمنع النظر أجزأت، وكذلك العمياء لا تجزئ فإذا كانت العوراء وهي قد فقدت عينا واحدة فالعمياء من باب أولى فذكر العوراء من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى والله أعلم، وكذلك لا تجزئ المريضة البين مرضها وهي التي يبين أثره عليها لأن ذلك ينقص لحمها ويفسده فإن كان مرضا يسيرا غير بين أجزأت لمفهوم حديث البراء رضي الله عنه، وكذلك لا تجزئ العرجاء البين ظلعها وهي التي بها عرج فاحش بحيث تسبقها الماشية وتتخلف عن القطيع ومقطوعة اليد أو الرجل لا تجزئ من باب أولى، وإن كان العرج يسيرا لا يخلفها عن الماشية أجزأت، وكذلك لا تجزئ العجفاء التي لا تنقي وهي الهزيلة التي لا مخ في عظامها من الهزال، فهذه العيوب الأربعة وما كان أشد منها مانعة من الإجزاء وما عداها يجزئ كمخروقة الأذن أو التي في أذنها شق أو قطع فتجزيء.

فالأصل الإجزاء والوارد في عدم إجزائها لا يصح، ويجوز التضحية بمكسور القرن لأنه لم يذكر في حديث البراء رضي الله عنه والمروي عن علي رضي الله عنه قال “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب القرن والأذن” وقال قتادة فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال العضب ما بلغ النصف فما فوق ذلك ” رواه أحمد، فالأفضل أن تكون الأضحية كريمة كاملة الصفات غالية الثمن وكلما كانت أكمل فهي أحب إلى الله عز وجل فقال الله عز وجل “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم” وعن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل قال “إيمان بالله وجهاد في سبيله قلت فأي الرقاب أفضل قال أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها “رواه البخاري ومسلم وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد.

وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها يا عائشة هلمي المدية، ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به “رواه مسلم أي أن هذا الكبش الذي ضحى به النبي صلى الله عليه وسلم أقرن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود، وإن الله عز وجل قد شرع لنا من الزمان ما اصطفاه وفضله كي يعبده خلقه، فسبحانه وتعالى يغفر للمستغفرين، ويتوب على التائبين، ويعطي السائلين، ويوفق من يشاء لاغتنام مواسم الخيرات، ويجود عليهم فيها بالخير والبركات، وهو سبحانه وتعالى مستغنى عن عباده، وهو الغني، وعباده يحتاجون إليه، وعبادته عظيمة سبحانه، وشرف كبير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock