أدب وشعر

حوار،،،

 

بقلم /سلمى على فتحى

أنا أسكن فى هذا الحى منذ
ولدت فيه.. في هذا الحي رجل ألاحظه كل أيام الجمعة قد جلس يشرب القهوة في مقهى يبعد عن منزلي بشارعين… لا أظنه يغادر مكانه إلا للصلاة… إنه يجلس شاردا طوال الوقت، لا يحادث أحدا كما لا أحد يحادثه… إنه أشبه بشبح حي لا ينتمي لعالم الأحياء كذلك لا ينتمي لعالم الأموات، و لأنه أثار فضولي ذهبت إليه ذات يوم بعد انقضاء صلاة العصر
-أيها العم، ماذا تعمل؟
لم يجبني الرجل فمضيت متابعا:
لم تقضي اليوم كله هنا؟.. ألن تعود لمنزلك؟
لما صمت ثانية ظننت أنه لا يريد الحديث إلي، و عندما هممت بالمغادرة قال بهدوء
-يا صبي، أتريد أن تسمع حكاية؟
أجبته بحماس قائلا نعم
استرخى الرجل في مقعده ثم أخذ نفسا عميقا قبل أن يقول
-أتعلم أيها الصبي؟… إنني أشعر أن هذا البرد سيقتلني
-لكننا في الصيف… كيف تشعر بالبرد؟
ضحك الرجل و نظر بعيدا و بدأ يحدث نفسه:
“أتساءل لم أشعر بهذا البرد… يقولون أن الوحدة سم بارد يقتل القلب ببطء، لكن لا أظنني أشعر بالوحدة حقا، لكنني ما زلت أشعر بفراغ خانق.
لم أنا هنا وحدي على أي حال؟.. منذ متى يراودني شعور الفقد هذا؟.. ربما عندما هجرتني؟.. لا لكنت أوقفتها حينها… ربما لأني لم أعد أرى ابنتي؟.. لا، لما تركتها تذهب إذا… الآن بذكر هذا.. أذكر أنها أخبرتني قبل أن تأخذ ابنتي أنها لم تعد تطيق العيش مع لوح ثلجي
هل كنت باردا إلى هذا الحد معها؟.. لكن إن كان ما تقوله صحيحا، فهما ليسا سبب وحدتي.
ربما لأن والدي رحلا؟.. لكني لم أستطع البكاء رغم حزني.. هل كنت حزينا لدرجة أن جفت عيني؟.. لكن هذا لا يبدو صحيحا أيضا… إذا هل كان حزن قلبي أضعف من أن يُبكي عقلي؟.. لكنني أحببت والدي حقا و قد مكثت بضعة أيام أتخيل وجودهما حولي حتى تقبلت موتهما في النهاية… لكنني واثق أن هذا البرد سبق موتهما بوقت غير قليل…

بالرجوع بالوقت بعض عشر سنوات من الآن.. ألم يكن لدي أخ؟.. بلى، لقد كان لدي أخ، لكنه لم يكن شقيقي؛ فأنا طفل وحيد… من كان هذا يا ترى؟… آه صحيح، لقد كان صديقي، لقد عرفته مذ رأتني سماء الربيع أمشي وحدي أول مرة.. كان يكبرني بعام واحد، و كان يسكن جواري.. أظنه أول شخص أتعلق به، لقد اعتبرته أخي الأكبر و احترمته حقا و أردت أن يراني هو الآخر أخا له… لقد تبعته بحماس و أُعجبت بحقيقة حمايته لي، و أعجبني أكثر قوله أننا شقيقان في السراء و الضراء… كبرنا مع الزمن، وقد تبعته إلى كلية الشرطة؛ لأصبح دعمه عندما يصبح شرطيا… لم تتغير شخصيته المرحة مع مرور الزمن.. ظننت أنه سيبقى ذلك الرجل الصادق الشجاع الحق الذي عرفته… أردت حقا تصديق أنه لن يتغير
في أحد الأيام تسلمت قضية للقبض على بعض الأفراد المسئولين عن تجارة المخدرات… لقد استغرقني التحقيق أشهرا… لكنني عثرت عليهم في النهاية، و لكن لصدمتي.. السبب الذي جعلهم يفلتون مني كل هذه المدة أن صديقي عرفهم و أعانهم مقابل تنصيف مال صفقاتهم معه.. عندما واجهته بهذا ابتسم بهدوء و رفع مسدسه في وجهي… لم يكن من ذلك مفر؛ لأنني عرفت سره.. لكنني رفعت مسدسي أنا الآخر و لم أتردد في إطلاق النار نحو صدره.

أظن أنه سبب شعوري بالوحدة.. لا أدري لم، لكنني أتذكر ذاك اليوم بوضوح… أتذكر أنني قتلت أخي؛ لأنه خانني”
التفت الرجل إلي ثم ابتسم بمرارة قائلا: لا تعلق قلبك بأحد… لا أظن أحدا قادرا على إعادة حطام قلبه إلى سيرتها الأولى
غادرت الرجل و قد شعرت بالشفقة عليه، لكنني كرهت هذا الشعور في الوقت ذاته… ظننت أنني أهينه بشعور الشفقة هذا… لكنني أعرف أنني لا أريد نسيان قصته هذه أبدا…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock