دين ودنيا

وقفه مع وإفعلوا الخير لعلكم تفلحون ” الجزء الخامس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع وإفعلوا الخير لعلكم تفلحون، وإن دعوة الإسلام كانت دائما إلى فعل الخيرات والمسارعة إليها، حتى تكون رصيدا تسمو بالإنسان، وتصل به إلى أعلى الدرجات، لأن الشمس لا تنتظر أحدا، والزمن يمضي سريعا، والوقت هو الفرصة الذهبية التي وهبها الله للإنسان، ليعمرها بالخير والصلاح والفلاح، وإن البطء والتثاقل والتروي والـتأني ينبغي أن يكون بعيدا عن عمل الآخرة لأن عمل الآخرة طريق صحيح، لا يحتاج إلى تأمل وتفكر، ويحتاج إلى المبادرة قبل الفوات لأن كل يوم يمضي هو من الفوات، وبعد الفوات يكون الندم، والندم لا يغني عن العاقل شيئا، فالمسارعة والمسابقة والمنافسة لهم بعض السمات الأساسية منها أن المسارعة والمنافسة والمسابقة مطلب شرعي وأمر إلهي، ووصية نبوية، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” رواه الحاكم.

وإن المسارعة والمسابقة في السير إلى الله تعالى، لا مجال فيها للروية والتؤدة والأناة حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” التؤده فى كل شئ إلا فى عمل الآخرة” رواه أبو داود، وقال وهيب بن الورد “إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل” وقال عمر بن عبد العزيز في حجة حجها عند دفع الناس من عرفةَ “ليس السابق اليوم من سبق به بعيره، إنما السابق من غُفر له” وكذلك فإن المسارعة والمسابقة في الخيرِ صفة من صفات المؤمنين الموحدين، وقد ذكر الله سبب استجابته لدعاء عبده ونبيه زكريا عليه السلام أنه كان يسارع في الخيرات، وكذلك فإن التفاضل في الجنة بحسب السبق والمسارعة، وكذلك فإن مقامات الناس في الآخرة مبنية على مقاماتهم في السير إلى الله تعالى في الدنيا، وإذا كان الناس يتفاوتون في طبقاتهم في الدنيا فإن تفاوتهم سيكون في الآخرة أكبر وأوضح، فقال تعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض” يعني في الدنيا، ثم قال عن الآخرة ” وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا”

فكان الصالحون ممن قبلنا يفقهون عن الله تعالى مراده في كتابه عندما حث على المسارعة في الخيرات، ففهموا أنها مسابقة حقيقية تحتاج إلى تحفز وتشمير، كما يفعل المتسابق في الطريق، فإنها المسارعة في السير إلى الله تعالى، والتي تكون عاقبتها الرضا من الله تعالى، كما قال نبى الله موسى عليه السلام ” وعجلت إليك رب لترضى” ولقد سادت روح المنافسة في الخيرات بين المسلمين الأوائل، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالا أعلى في المسارعة إلى الخير، فعن أبي سروعة عقبة بن الحارث رضى الله عنه قال “صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة صلاة العصر، فسلم ثم قام مسرعا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج إليهم، فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته، قال ذكرت شيئا من تبر وهو الذهب المكسور، عندنا فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته” رواه البخارى، فقد خشي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن تحبسه هذه الأمانة يوم القيامة، فبادر إلى توزيعها.

والتصدق بها، وهذا أبو الدحداح الأنصاري، لما نزل قول الله تعالى فى سورة البقرة ” من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة” فقال للرسول صلى الله عليه وسلم وإن الله ليريد منا القرض؟ قال عليه الصلاة والسلام” نعم يا أبا الدحداح” قال أرني يدك يا رسول الله، فناوله النبي صلى الله عليه وسلم يده، فقال أبو الدحداح إني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي، أي بستاني، وكان فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، فناداها يا أم الدحداح، قالت لبيك، قال أخرجي من الحائط، يعني أخرجي من البستان فقد أقرضته ربي عز وجل، وفي رواية تقول أن امرأته لما سمعته يناديها عمدت إلى صبيانها تخرج التمر من أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم، تريد بفعلها هذا الأجر كاملا غير منقوص من الله عز وجل، لذلك كانت النتيجة لهذه المسارعة أن قال النبي صلى الله عليه وسلم “كم من عذق رداح” أى مثمر وممتلئ في الجنة لأبي الدحداح” رواه أحمد، وهذا هو الصحابى الجليل أبو طلحة الأنصارى.

جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله يقول الله تبارك وتعالى في كتابه كما جاء فى سورة آل عمران ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وكانت حديقة يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم ويستظل بها، ويشرب من مائها، فهي إلى الله عز وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” بخ يا أبا طلحة، ذاك مال رابح، ذاك ما رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين، فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه” رواه البخاري ومسلم، فكانت هذه صورة مشرقة، ولوحة رائعة يزيّنها مسارعة الصحابة، ومبادرتهم إلى فعل الخيرات، وكان يوم أن عظم الخطب واشتد الأمر علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم تبوك الذي سماه الله تعالى يوم العسرة كما قال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة التوبة ” لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock