دين ودنيا

الإمام الشاطبي

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الإمام الشاطبي هو أبو محمد القاسم بن فيره بن أحمد الشاطبي الرعيني، والرعيني نسبة إلى ذي رعين أحد أقيال اليمن، والشاطبي هذه النسبة إلى شاطبة، وهي مدينة كبيرة ذات قلعة حصينة بشرق الأندلس، خرج منها جماعة من العلماء، استولى عليها الفرنج في العشر الأخير من شهر رمضان، سنة ستمائة وخمس وأربعين للهجرة، وولد الإمام الشاطبي عام خمسمائة وثماني وثلاثين للهجرة، في مدينة شاطبة بالأندلس، وكف بصره صغيرا، وعنيت به أسرته، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم طرفا من الحديث والفقه، واتجه إلى حلقات العلم التي كانت تعقد في مساجد شاطبة، ومالت نفسه إلى علم القراءات، فتلقاها على أبي عبد الله محمد بن أبي العاص النفزي، ثم شد رحاله إلى بلنسية وكانت من حواضر العلم في الأندلس، وممن كناه أبا القاسم كالسخاوي وغيره.

لم يجعل له اسما سواها، والأكثرون على أنه أبو محمد القاسم، ثم رحل الإمام الشاطبي إلى الحج، وهو في طريقه إلى الأراضي الحجازية نزل الإسكندرية، حيث الحافظ أبي طاهر السلفي، وكانت شهرته في الحديث قد عمت الآفاق، ويشد إليه العلماء الرحال من الشرق والمغرب يتتلمذون على يديه، فاستقر الشاطبي بالإسكندرية فترة من الزمن، تلقى فيها الحديث عن الحافظ السلفي، ثم استكمل طريقه إلى الحجاز لأداء مناسك الحج، وفي طريق العودة دخل مصر وكانت تحت حكم الأيوبيين، فأكرم القاضي الفاضل وفادته، وأحسن استقباله وعرف مكانته، وأنزله مدرسته التي بناها بدرب الملوخية بالقاهرة، وجعله شيخا لها، وطابت للشاطبي الحياة بالقاهرة فاستوطنها واستقر بها، وجلس للإقراء والتعليم، فطارت شهرته في الآفاق، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان.

وكان الشيخ إماما متقنا في علمه، متبحرا في فنه، آية في الفهم والذكاء، حافظا للحديث، بصيرا باللغة العربية، إماما في اللغة، مع زهد ودين وورع وإخلاص، زاده هيبة وإجلالا، وأسبغ عليه الاشتغال بالقرآن نورا كسا وجهه، وألقى محبة له في القلوب، ولما فتح الله على الناصر صلاح الدين الأيوبي باسترداد مدينة بيت المقدس سنة خمسمائة وثلاثة وثمانون للهجرة، توجه فزاره سنة خمسمائة وتسع وثمانون للهجرة، ثم رجع فأقام بالمدرسة الفاضلية، وأقام بها يقرئ الناس ويعلمهم، وكان الشاطبي إماما ثبتا، حجة في علوم القرآن والحديث واللغة، كما كان آية من آيات الله في حدة الذهن، وحصافة العقل، وقوى الإدراك، وكان مثلا أعلى في الصبر والاستسلام لله تعالى والخضوع لحكمه، وكان إذا سُئل عن حاله لا يزيد على أن يقول العافية، وكان عالما بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيرا.

وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُبرزا فيه، وكان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ تصحح النسخ من حفظه، وكان أوحد في علم النحو واللغة، عارفا بعلم الرؤيا، حسن المقاصد، مخلصا فيما يقول ويفعل، وقرأ الشاطبي على ابن هزيل، وسمع الحديث منه ومن أبي عبد الله محمد بن أبي يوسف بن سعادة، وأبي محمد عاشر بن محمد بن عاشر، وأبي محمد عبد الله بن أبي جعفر المرسي، ودرس كتاب سيبويه، والكامل للمبرد، وأدب الكاتب لابن قتيبة على أبي عبد الله محمد بن حميد، ودرس التفسير على أبي الحسن بن النعمة صاحب كتاب ري الظمآن في تفسير القرآن، واستقر الشاطبي بالإسكندرية فترة من الزمن، تلقى فيها الحديث عن الحافظ السلفي، وظل الشاطبي في القاهرة يقيم حلقته في مدرسته، ويلتف حوله تلاميذه النابهون من أمثال أبي الحسن على بن محمد السخاوي.

وكان أنبغ تلاميذه، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بعد شيخه، وأبي عبد الله محمد بن عمر القرطبي، وأبي عمرو عثمان بن عمر بن الحاجب، وغيرهم كثير، وقد حدث عنه أبو الحسن بن خيرة، ومحمد بن يحيى الجنجالي، وأبو بكر بن وضاح، وأبو الحسن علي بن الجميزي، وأبو محمد بن عبد الوارث قارئ مصحف الذهب، وقرأ عليه بالسبع أبو موسى عيسى بن يوسف المقدسي، وعبد الرحمن بن سعيد الشافعي، وأبو عبد الله محمد بن عمر القرطبي، والزين أبو عبد الله الكردي، والسديد عيسى بن مكي، والكمال علي بن شجاع، وآخرون، وتعود شهرة الشاطبي رحمه الله إلى منظومته حرز الأماني ووجه التهاني، في القراءات السبع، وهي قراءات نافع إمام أهل المدينة، وابن كثير إمام أهل مكة، وأبي عمرو بن العلاء إمام أهل البصرة، وعاصم وحمزة والكسائي أئمة أهل الكوفة، وابن عامر إمام أهل الشام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock