مقالات

الدكروري يكتب عن دعاء لوط عليه السلام

الدكروري يكتب عن دعاء لوط عليه السلام

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن قوم سدوم قد ابتدعوا فاحشة لم يسبقوا إلى ارتكابها من أحد من العالمين، وتعاطوا محرما ما كان يدور بخلد أحد اقترافه، فكانوا يأتون الذكران من العالمين، ويتركون ما خلق الله لهم من النساء فلا يقربوهن، وليتهم ستروا بليتهم أو حاولوا الخلاص من ثمارها والبعد عن شرها، ولكنهم كانوا يحملون الناس على مشايعتهم، ويدعونهم إلى الأخذ من قليبهم والقليب هو البئر، أي يعملون مثل عملهم، أو يشربون مما يشربون منه، وتمادوا في ضلالهم حتى فشت المنكرات بينهم وكثرت الموبقات بينهم، وأشربت قلوبهم حب الفاحشة، ولما أصاب القوم ما أصابهم، واستحبوا الضلالة على الهدى، وآثروا الغواية على الرشد، واستحوذ عليهم الشيطان يستميلهم إلى المعاصي ويزين لهم الشهوات.

أوحى الله عز وجل إلى لوط عليه السلام أن يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهاهم عن ارتكاب هذه الجرائم، فدعاهم وأعلن بينهم رسالته، ولكن آذانهم لم تسمع لقوله، وعيونهم عميت عن الحق، وقلوبهم غلقت فاندفعوا في شرورهم، واستمروا على فجورهم وتمادوا في طغيانهم، ولم يرتدعوا عن غيهم، بل حدثتهم نفوسهم الأمارة بالسوء، وسولت لهم عقولهم التي أضاعها العبث وتملكها الشر أن يخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم، فتوعدوه ومن معه بالإبعاد عن قريتهم، ولم يرتكب جرما إلا بعده عن مساوئهم، ولم يقترف إثما، إلا أنه تطهر من دنسهم ولم يسر في طريقهم ونأى عن قبائحهم، ودعاهم إلى صراط الله المستقيم، ولما رأى منهم ميلا وابتعادا عن طاعة الله.

خوفهم بأس الله وعذابه، فلم يأبهوا لتحذيره واستخفوا بوعيده، فألح عليهم بالعظات، وأنذرهم سوء العاقبة، ولكنهم لم يقلعوا عما كانوا فيه، بل ازدادوا تعلقا به ورغبة فيه، وتحدوه أن العذاب لن ينزل عليهم، وأن الله لن ينزل بهم ما يستحقون من عقاب، وبعد ذلك سأل لوط عليه السلام ربه أن ينصره على هؤلاء القوم المفسدين، وأن يوقع بهم العذاب الأليم، وطلب إليه أن يخزيهم على كفرهم وعنادهم ويعاقبهم على بغيهم وفجورهم، فهم الداء الوبيل الذي يخاف انتشاره، والعضو المريض الذي لابد من استئصاله، فإنهم عاثوا في الأرض فسادا، وصدوا عن سبيل الله، فاستجاب الله عز وجل دعاء لوط عليه السلام، فبعث ملائكته إلى هذه القرية الظالم أهلها، لينزلوا بهم ما يستحقون من عقاب.

فنزلوا أولا بدار إبراهيم عليه السلام، فحسبهم عابرى سبيل، فقدم لهم خير ما يقدم للأضياف، ولكن أيديهم لم تمتد إلى قراه، فنكرهم وأوجس منهم خيفة، قالوا لا تخافوا، ولم يزالوا بالمكان حتى بشروه بغلام عليم، ثم سألهم إبراهيم عليه السلام ما خطبكم أيها المرسلون؟ قالوا، إنا أرسلنا إلى قوم لوط الذين لم يستجيبوا لدعوته فكانوا من المجرمين، وسننزل بهم عذابا أليما وبأسا شديدا، فحزن نبى الله إبراهيم عليه السلام لذلك، وأخذ يجادلهم في قوم لوط، ويرجو تأخير البلاء وتأجيل وقوع العذاب، ولعله كان يأمل منهم الإنابة إلى الله والإقلاع عما يرتكبون من الذنوب والرجوع عما يقترفون من الفواحش، وقد يكون إبراهيم عليه السلام قد خاف أن يُمس لوط بأذى وهو مؤمن منكر لما يرتكبون، فهو لا يستحق العذاب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock