دين ودنيا

الدكروري يكتب عن من كره لقاء الله كره الله لقاءه

الدكروري يكتب عن من كره لقاء الله كره الله لقاءه
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الكبر مرض خطير وداء عليل لا يخلو منه كثير من البشر بنسب متفاوتة، وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وموجب لغضب الرحمن، وسبب عظيم من أسباب الحرمان، فلا يليق بالمخلوق الضعيف أن يتكبر على الناسِ, ولا أن يدخله العُجب والغرور ، فالكبر والعُجب داءان مُهلكان, لا يتحلى بهما إلا أراذل الناس، وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله، عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالوا إنا نكره الموت، قال ليس ذلك ولكنه إذا حضر فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله، والله عز وجل للقائه أحب وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم فإذا بشر بذلك كره لقاء الله، والله للقائه أكره”

فإن الواجب على المسلم الفطن أن يتفكر في أحوال الأمم السابقة والقرون الماضية وقد بنوا المدائن وجمعوا الخزائن وحفروا الأنهار، وشيدوا القصور وعمروا الديار ولربما ظنوا أنهم في هذه الدنيا مخلدون وما هم عنها براحلين، فبينما هم يعيشون مرفهين في هذا الحلم إذ هجم عليهم هادم اللذات، ومفرق الجماعات وهو الموت، فأصبحوا عظاما رميما، ورفاتا هشيما وإذ بمنازلهم خاوية وقصورهم خالية، وأجسادهم بالية، وأصواتهم خافتة، فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم وقد خلفوا كل شيء وراءهم، لم يأخذوا معهم مالا ولا جاها ولا منصبا إلا الصاحب الملازم وهو العمل، وها هم قد سكنوا القبور الموحشة حيث لا أنيس ولا صاحب وقد تساوى في سكناها جميع الناس غنيهم وفقيرهم، شريفهم وحقيرهم، وهكذا فإن الموت أعظم واعظ وأبلغ زاجر.

وقد أوصى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكره لما فيه من دفع المرء لعمل الصالحات، فإن الله عز وجل لا مفر منه إلا إليه، فخير لكم أن تفروا إليه، منيبين إليه، معترفين بذنوبكم بين يديه، مطهرين نفوسكم وقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم من الغي، وتزودوا ليوم الميعاد، ولا تلهكم دار الغرور والهوان، فتنسيكم ما كتبه الله على أهلها من البوار والفناء، فأعدوا ليوم الدين عدته، ومن أراد الفوز والنجاة فليعمل حتى تأتيه بغيته، فإن المولى عز وجل أبى أن يكون الفوز إلا لأهل التقوى الذين حصّلوا طرقها وأسبابها، فوعدهم الحق، وإن من التقوى أن يستعد العبد ليوم القيامة والبعث والنشور، فالتقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، فلا يكن استعدادكم ليوم الرحيل بالغفلة والعصيان.

فإن أهل معصية الله إنما عصوه وخالفوه لقلة يقينهم بلقائه ووقوفهم بين يديه في انتظار ثوابه أو عقابه، فقادتهم الغفلة عن وقفة الحساب إلى الاستمرار في المخالفة والعصيان، والتمادي في التفريط والإهمال، لا يذكرون مقامهم بين يدي الملك الديان، فيقومون في رشحهم وعرقهم، وهولهم ورعبهم، وغمهم وكربهم، وبؤسهم ونكدهم، خمسين ألف سنة في انتظار فصل القضاء والقصاص بينهم، في محكمة الله العادلة، التي لا يخاف المؤمن فيها ظلما ولا هضما، فانظر لحالك يا عبد الله، ماذا أعددت ليوم الرحيل، فالله عز وجل خبير بأعمالكم، خبير بأقوالكم، خبير بمشاعركم وما تكنه قلوبكم، فهل أصلحت قلبك استعدادا للقاء الله؟ وهل طهرت قلبك من الشك والرياء؟ وهل طهرته من الظنون الكاذبة والأماني الباطلة، أو من التعلق بغير الله، أو التوكل على غير الله؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock