دين ودنيا

وقفه مع المدينة المنورة ” الجزء الرابع عشر “

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع عشر مع المدينة المنورة، وقد توفنا مع نور الدين زنكى، وقد تميَّز عهده بالعدل وتثبيت المذهب السني في بلاد الشام ومصر، كما قام بنشر التعليم والصحة في إماراته، ويعده البعض سادس الخلفاء الراشدين، وينتسب نور الدين إلى السلاجقة الأتراك، فجدّه آق سُنقر بن إل ترغان يعود نسبه إلى قبيلة ساب يوب، وكان جده مملوكا للسلطان جلال الدولة ملك شاه، وكان عسكريا وملاصقا للسلطان، وفي سنة ربعمائة وثمانون للهجرة، قد أصدر السلطان السلجوقي جلال الدولة ملك شاه أمرا بتعيين آق سنقر على حلب بسبب إخلاصه للسلطان أثناء حروبه، وخشية من أطماع أخيه تتش بن ألب أرسلان في بلاد الشام كما أوصى سائر الأمراء بطاعته.

فسار آق سنقر إلى حلب على رأس جيش كبير، وأقام فيها بعض الوقت حتى يدبر أمورها ويصلح أحوالها، لكن بعد وفاة جلال الدولة ملك شاه حصل قتال بين تتش بن ألب أرسلان، وآق سنقر، وقد انتهى بأسر وقتل آق سنقر، وكان عمر عماد الدين زنكي عشرة أعوام عند وفاة والده آق سنقر، وقد مكث عماد الدين في حلب عاما واحدا عند مماليك وقادة أبيه، وما لبث أن استدعاه والي الموصل كربوقا بعد استلامه الولاية ليقوم برعايته لإدراكه مكانة آق سنقر في نفوس التركمان، وما يكنونه له من ولاء وطاعة، وبقي عماد الدين مواليا لولاة الموصل الذين عينهم السلطان محمد بن ملكشاه، ورافقهم في معاركهم، ثم ولاه السلطان محمود بن محمد على ولاية الموصل.

سنة خمسمائة وواحد وعشرون للهجرة، فاستطاع ضم جزيرة ابن عمر وإربل وسنجار والخابور ونصيبين وجزء من ديار بكر، وعبر الفرات فملك منبج وحلب وحماة وحمص وبعلبك، وبذلك نجح في التوسع بإمارته لتشمل مناطق شاسعة، وقد ولد نور الدين في فجر يوم الأحد من السابع عشر من شهر شوال عام خمسمائة وإحدى عشر للهجرة وهو ثاني أولاد عماد الدين زنكي بعد سيف الدين غازى، ولا تذكر المصادر التاريخية شيئا عن نشأة نور الدين وشبابه، ولكنها جميعا تؤكد أنه تربى في طفولته تحت رعاية وإشراف والده، وأن والده كان يقدمه على إخوانه ويرى فيه مخايل النجابة، وبقي ملازما لوالده حتى وفاته، وكان أسمر اللون طويل القامة حسن الصورة.

لا يوجد في وجهه شعر سوى ذقنه، كما كان حنفي المذهب، ويرى بعض المؤرخون الحديثون أنه كان أشعريا، في حين يرى آخرون أنه كان متبعا للطريقة القادرية، ويرى آخرون أنه وفق بين القادرية والأشعرية، وقد حكم نور الدين محمود حلب في حين حكم سيف الدين غازي الموصل، وكان الحد الفاصل بين أملاك الأخوين هو نهر الخابور في الجزيرة السورية، وقد تزوج نور الدين زنكى، من عصمة الدين خاتون ابنة الأتابك معين الدين أنر حاكم دمشق، وأنجب ولدين وبنت، الأكبر إسماعيل الذي تولى الحكم من بعده، والأصغر أحمد وقيل أنه مات طفلا، وكان نور الدين برفقة أبيه حين قتل عند قلعة جعبر، في حين كان أخوه الأكبر سيف الدين مقيما في شهرزور.

وقد أخذ نور الدين خاتم والده، وذهب مع جنده إلى حلب فملكها هي وتوابعها وكان عمر نور الدين زنكي آنذاك ثلاثين عاما، وقد انقسمت الدولة الزنكية بذلك إلى قسمين، الأول في الموصل والجزيرة وحمص التي سارع إليها سيف الدين غازي لتثبيت حكمه فيها، والثاني في حلب وما جاورها تحت إمرة نور الدين، كما حكم أخوهما نصرة الدين أمير أميران منطقة حران تابعا لنور الدين، في حين بقي الأخ الرابع قطب الدين مودود تحت رعاية سيف الدين، واجتاح الصليبيون العالم الإسلامي، واحتلوا بيت المقدس، وأجزاء كبيرة من الشام في ظل ضعف الدولة العباسية بالعراق، والسلاجقة، ووسط الهزائم التي ابتلت بها الدول الإسلامية ما لبثت أن ارتفعت راية الجهاد لتحرير الشام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock