رمضان شهر القرآن ” الجزء الثالث “

إعداد / محمـــد الدكــروى
ونكمل الجزء الثالث مع رمضان شهر القرآن، واختلف أهل العلم فيمن أدركه الشهر وهو مقيم ثم سافر، وروى عن الإمام على رضي الله عنه أنه قال لا يجوز له الفطر، وبه قال عبيدة السلمانى لقوله تعالى “فمن شهد منكم الشهر فليصمه” أى الشهر كله وذهب أكثر الصحابة والفقهاء إلى أنه إذا أنشأ السفر فى شهر رمضان جاز له أن يفطر ومعنى الآية فمن شهد منكم الشهر كله فليصمه أي الشهر كله ومن لم يشهد منكم الشهر كله فليصم ما شهد منه والدليل وهو عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس معه فكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن رمضان المبارك هو الشهر الذى أنزل الله تعالى فيه كتابه الحكيم هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، والقرآن الكريم هو أساس الجهاد الكبير المستمر، الجهاد بالكلمة، فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه بأن يجاهدوا الكفار بالقرآن الكريم جهادا كبيرا.
وأمرهم بذلك وهم مضطهدون بمكة منهيون عن القتال بالسيف، مأمورون بأن يكفوا أيديهم ويقيموا الصلاة، فأنزل الله تعالى على رسوله قوله كما جاء فى سورة الفرقان ” فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا” فأمره بأمرين مهمين علينا أن نتذكرهما ونعمل بهما وخصوصا في هذا الشهر العظيم، فقد أمره أولا بأن لا يطيع الكافرين، لا يطيعهم فى أى أمر فيه مخالفة لما أنزل الله تعالى عليه في أمور الإيمان والعبادات والأخلاق والدعوة ومحاولتهم توهين أمره، وأمره ثانيا بأن لا يقف عند حدود هذا الموقف السلبى مع عظم أهميته، بل أن يخطو خطوة أخرى هى جهاد الكفار بالقرآن الكريم جهادا كبيرا والجهاد الكبير كما تقول كتب التفسير هو الجهاد الجامع لكل مجاهدة، وأن هذا الجهاد بالقرآن الكريم هو نفسه عبادة من أعظم العبادات، وأنه ربما كان أبلغ في شهر الصيام والقرآن حين تصفو النفوس بإذن الله وتكون أكثر إخلاصا وأشد حبا للحق وأكثر كراهية للباطل وأقدر على تدبر القرآن الكريم فإنه جهاد يبتغى به المؤمن المخلص إعلاء كلمة الله.
ويعمله ابتغاء رضوانه سبحانه وتعالى، وإن العمل الجهادى لا يذهب هباء أبدا، بل إما أن يهتدى به بعض الضالين فيكون قد زاد من الخير ويكون ذلك خيرا له من حمر النعم، وإما أن يكون فيه قمع لأهل الباطل وتقليل من شرهم، وإما أن يجتمع الأمران كلاهما فيكو خيرا على خير، والمؤمن وإن كان يعلم هذا لا يعلق عمله على رؤية هذه النتائج، بل يكل أمرها إلى الله تعالى, كما قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم فى سورة يونس ” وإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون” وقوله تعالى” ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر” أباح الفطر لعذر المرض والسفر وأعاد هذا الكلام ليعلم أن هذا الحكم ثابت في الناسخ ثبوته في المنسوخ واختلفوا في المرض الذى يبيح الفطر فذهب أهل الظاهر إلى أن ما يطلق عليه اسم المرض يبيح الفطر وهو قول ابن سيرين قال طريف بن تمام العطاردي دخلت على محمد بن سيرين فى رمضان وهو يأكل، فقال إنه وجعت أصبعى هذه وقال الحسن وإبراهيم النخعى.
هو المرض الذى تجوز معه الصلاة قاعدا وذهب الأكثرون إلى أنه مرض يخاف معه من الصوم زيادة علة غير محتملة وفي الجملة أنه إذا أجهده الصوم أفطر وإن لم يجهده فهو كالصحيح وأما السفر فالفطر فيه مباح والصوم جائز عند عامة أهل العلم إلا ما روى عن ابن عباس وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعلي بن الحسين أنهم قالوا لا يجوز الصوم في السفر ومن صام فعليه القضاء واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ” ليس من البر الصوم في السفر ” وذلك عند الآخرين في حق من يجهده الصوم فالأولى له أن يفطر والدليل عليه هو عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا قالوا هذا صائم، فقال ” ليس من البر الصوم في السفر” والدليل على جواز الصوم هو عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال ” كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم “
وقد اختلفوا فى أفضل الأمرين فقالت طائفة الفطر فى السفر أفضل من الصوم روى ذلك عن ابن عمر وإليه ذهب سعيد بن المسيب والشعبي وذهب قوم إلى أن الصوم أفضل وروى ذلك عن معاذ بن جبل وأنس بن مالك وبه قال إبراهيم النخعى وسعيد بن جبير وقالت طائفة أفضل الأمرين أيسرهما عليه لقوله تعالى “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” وهو قول مجاهد وقتادة وعمر بن عبد العزيز ومن أصبح مقيما صائما ثم سافر في أثناء النهار لا يجوز له أن يفطر ذلك اليوم عند أكثر أهل العلم وقالت طائفة له أن يفطر وهو قول الشعبي وبه قال أحمد أما المسافر إذا أصبح صائما فيجوز له أن يفطر بالاتفاق والدليل عليه هو عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس معه فقيل له يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأفطر بعض الناس وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا فقال “أولئك العصاة”
واختلفوا في السفر الذى يبيح الفطر فقال قوم مسيرة يوم وذهب جماعة إلى مسيرة يومين وهو قول الشافعي رحمه الله وذهب جماعة إلى مسيرة ثلاثة أيام وهو قول سفيان الثورى وأصحاب الرأى، وقوله تعالى “يريد الله بكم اليسر” بإباحة الفطر فى المرض والسفر “ولا يريد بكم العسر” وقال الشعبي ما خير رجل بين أمرين فاختار أيسرهما إلا كان ذلك أحبهما إلى الله عز وجل “ولتكملوا العدة” وهو الاختيار لقوله تعالى فى سورة المائدة ” اليوم أكملت لكم دينكم ” والواو في قوله تعالى ولتكملوا العدة واو النسق واللام لام كى، تقديره ويريد لكى تكملوا العدة أى لتكملوا عدة أيام الشهر بقضاء ما أفطرتم فى مرضكم وسفركم وقال عطاء “ولتكملوا العدة” أى عدد أيام الشهر، وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ” وعن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
“لا تقدموا الشهر بصوم يوم ولا يومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا ” وأما عن “ولتكبروا الله” ولتعظموا الله “على ما هداكم” فأرشدكم إلى ما رضى به من صوم شهر رمضان وخصكم به دون سائر أهل الملل، وقال ابن عباس رضى الله عنهما هو تكبيرات ليلة الفطر وروى عن الشافعى وعن ابن المسيب وعروة وأبى سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر يجهرون بالتكبير وشبه ليلة النحر بها إلا من كان حاجا فذكره التلبية ” ولعلكم تشكرون” وهو نشكر الله تعالى على نعمه وقد وردت أخبار فى فضل شهر رمضان وثواب الصائمين، وإن من إعجاز القرآن الكريم هو أن تصف آية واحدة ما أصاب البيئة اليوم من تلوث وفساد، وللمرة الأولى نجد أن الإنسان قد أسهم فى تغيير مناخ العالم، والآية المعجزة هي قول الحق تعالى كما جاء فى سورة الروم ” ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون”.