دين ودنيا

فى طريق المعرفه ومع المفسدين فى الأرض ” الجزء الخامس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع المفسدين فى الأرض، وإن مسؤولية المصلحين عظيمة، فواجبهم أن يعتصموا بحبل الله جميعا ضد المفسدين، فالمفسدون مهما تباعدت ديارهم واختلفت ألوانهم وألسنتهم، فإنهم جبهة واحدة وصف واحد ضد الإصلاح والمصلحين، وما لم يكن للمصلحين صف واحد ضدهم فالفساد سيظل يكبر ويكبر حتى لا يستطيع أحد أن يقف أمامه، فقال الله تعالى فى سورة الأنفال “والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” وإن الأمل الوحيد في إنقاذ الأرض من المفسدين في كل الأزمنة والأمكنة، يكمن في قيام أهل الحق والإصلاح بمسؤولياتهم أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وجهادا في سبيل الله فقد قال الله تعالى فى سورة هود ” فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم، واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين، وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين” وإن سبيل المصلحين معروف، وسبيل المفسدين معروف، والإصلاح ضد الفساد، والفطر والعقول السليمة تميز ذلك، ولا يمكن أن يلبس على الناس في الإصلاح والإفساد أحد.

ولا يروج ذلك إلا على الأغبياء، فإن الفساد في الأرض مرتعه وخيم وشأنه عظيم، وله صور كثيرة متعددة، وينبغي الانتباه له لئلا يخفى، فإن الله حذرنا من قوم كما جاء فى سورة البقرة ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ” وإن من الإفساد في الأرض ما يكون بنشر الكفر والشرك فيها كما تقدم، ومن الإفساد في الأرض ما يكون بنشر الشهوات، وأنواع الانحرافات، والرذائل، والقبائح التي ينشأ عنها أولاد الحرام، وهتك الأعراض، وضياع الأسر، والأمراض الخبيثة، ومن الفساد ما ينشأ عنه قتل الذرية، والأطفال، والنساء، وإفساد الزرع، والضرع، وقد قال الله تعالى عن فاعل هذه الجريمة كما جاء فى سورة البقرة ” وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ” فهؤلاء يتولون للإفساد في الأرض، وتخريب مصالحها على أهلها، والعمل على قتل الذرية، ووأدهم، وتشريد الناس، وخراب بيوتهم، وإفساد زروعهم، وصحتهم، وأجسادهم، الفساد العظيم في الأرض، ومن الفساد ما يكون بسائر المعاصي كأكل الربا ونشره، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، والزنا، والخمر، وقطع الرحم.

كما جاء فى سورة محمد ” فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم ” وكذلك إخافة السبيل، وقطع الطريق على الناس، ولذلك لما جاء العرنيون فاستوخموا المدينة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بإبل وراع يخدمهم ويسقيهم من ألبانها، فلما صحوا قتلوا الراعي، وأخذوا الإبل فنهبوها، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم جنود الإسلام في آثارهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وفقأ أعينهم كما فعلوا في عين الراعي، من هنا قال الله تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ” فهم يحاربون دين الإسلام، كفار، مشركون، مرتدون، أنواع الكفرة، فما هي عقوبتهم؟ فهى كما جاء فى سورة المائدة ” إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم ” وقال ابن عباس رضى الله عنهما إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض، ثم اختلف العلماء هل يصلب فاعل ذلك حيا.

ويترك حتى يموت بمنعه عن الطعام والشراب، أو يقتل برمح ونحوه، أو يقتل أولا، ثم يصلب تنكيلا وتشديدا لغيره من المفسدين؟ وهل يصلب ثلاثة أيام، ثم يترك أو يترك حتى يسيل صديده؟ في كل ذلك آراء لأهل العلم، وإن من عجائب هذا الزمان هو أن يقوم أصحاب بعض دعاة المذاهب الهدامة الذين يتشدقون بالحرية، بالإفساد في العالم، مع لبس ثياب المصلحين، فهم يزعمون الإصلاح والإطعام والمعونة من جهة، ويقتلون ويفسدون في الأرض من جهة أخرى، كما جاء فى سورة التوبة ” لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة ” ولا يوفرون كبيرا شيخا ولا عجوزا ولا أرملة ولا يتيما، وكذلك فإن هؤلاء ورثة فرعون، الذي كان يفسد في الأرض، ولما أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأرسل الله عليه وعلى جنوده الماء فأغرقهم، ماذا كان حالهم؟ عندما قال كما جاء فى سورة يونس ” آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ” فيقول الله تعالى ” الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ” فهذا هو سلفهم، والله تعالى قال كما جاء فى سورة الشعراء ” ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ” وذم الذين يسعون في الأرض فسادا، وأنذر العاقبة فقال كما جاء فى سورة النمل ” فانظر كيف كان عاقبة المفسدين “

وقال كما جاء فى سورة يونس ” وربك أعلم بالمفسدين ” وقال أيضا ” إن الله لا يصلح عمل المفسدين ” فكل ذلك قد جاء في كتاب الله تعالى ” ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ” والله يمهل ولا يهمل، ويأخذ المفسدين أخذ عزيز مقتدر، ولأن بعض الناس يلبس عليهم فقال تعالى كما جاء فى سورة يونس ” وربك أعلم بالمفسدين ” و كما جاء فى سورة البقرة ” والله يعلم المفسد من المصلح ” وبعض الناس ربما يسعى في الإفساد بين شخصين خفية، ويوقع بين الزوج وزوجته مثلا ويتظاهر بالإصلاح، فربك يعلم المفسد من المصلح، وكان فرعون لعنه الله كما جاء فى سورة القصص ” يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه من المفسدين” وهكذا جاء في القرآن الكريم فى سورة القصص ” يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم إنه كان من المفسدين ” فيتسلط على الضعفة وعلى المساكين والأبرياء، وهكذا تظهر قوة الظالم على المظلوم الضعيف ولكن الله بالمرصاد، وإن الله بيده الأمور يفعل ما يشاء ولا يفعل شيئا سبحانه إلا لحكمة، وبعض الناس المصابون بقصر النظر وربما اعترض منهم وربما اعترض بعضهم على أفعال الواحد القهار وعلى أقدار العزيز الجبار، والله عز وجل يبتلي عباده ويقدر أمورا من القتل وغيره ليتخذ شهداء من المسلمين.

ويزيد الفاسدين عذابا، ويزيد المفسدين عذابا يوم الدين، وإن مذهب الذين يفسدون ويدعون أنهم مصلحون قد قاله فرعون متهما بالإفساد نبى الله موسى عليه السلام، وفرعون رأس المفسدين، فقال كما جاء فى سورة غافر ” إنى أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى الأرض الفساد ” والله تعالى جعل الآخرة للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، ومعنى ذلك أن هناك من المجرمين من يريد علوا في الأرض وفسادا، وإذا كان سلفهم فرعون فخلفهم يأجوج ومأجوج، فإن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، فهم لا يبقون زرعا ولا ولا ضرعا فيقتلون وينهبون، والله عليم بالمفسدين، فينبغي علينا أن نعود إلى الله عز وجل، وأن نتفطن في أقداره وأفعاله، وأن نسلم له تعالى بالحكمة ولا نعترض على ما قدر، وأن نسعى إلى حمل دينه والدعوة إلى سبيله والدفاع عن المسلمين، فإن الله عز وجل قد ذكر لنا في كتابه صنفا خاصا من المفسدين وقد شهد الله تعالى بأنهم يفسدون في الأرض وهم اليهود، فقال تعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ” وقال تعالى عنهم أيضا كما جاء فى سورة المائدة ” كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون فى الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين “

وهكذا شهد الله تعالى بأن اليهود مفسدون في الأرض، وبأنهم يسعون في الأرض فسادا، وإن هناك فساد يسمى فساد القلوب وهو يقابله إفساد القلوب أيضا، وفساد القلوب أصحابه هو ذلك النوع من البشر الذين اسود قلبهم من كثرة الكذب والنفاق والغش والخداع وفعل المحرمات كلها بدون أي شعور بالخزى والخوف من الله سبحانه وتعالى ولا حتى من الناس ولا من مواجهة أنفسهم، وإن إفساد القلوب وراءه من كانت قلوبهم فاسدة فهم يسعون وبكل طاقة وجهد لإفساد أي قلب طاهر يرونه حتى يبرروا لأنفسهم ماهم عليه، هؤلاء البشر يلعبون لعبتهم مع كل من يقع في طريقهم ويمارسون غيهم بمهارة وإتقان وفى الغالب تكون ضحاياهم من النساء، وتبدأ طريقتهم بإيقاع البريئات في براثنه وإسماعهم معسول الكلام وحلوه لتصل لمرحلة الصدق به والتصديق والتعلق، وساعتها تبدأ عملية الإفساد ببراعة ويتم تدميرها، وعندما يتشبع ويشبع منها يتركها محطمة، فاسدة القلب والكيان، لأنها تحولت لكائن مدمر غير مؤمن بكل ما تربى عليه وعاش به، والغريب أن هذا النوع من المفسدين لا يتوقف عن عملية إفساده بل ينتشر ويزداد فخرا كلما ازداد رقم من أفسد قلبهم وحياتهم وكأنه في مسابقة للحصول على رقم لم يحصل عليه أحد من قبله ولا بعده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock