مقالات

احذرالله يراك

كتب احمد زايد

القران الكريم حفل بالآيات التي تدل على مراقبة الله للعبد، وقال عز وجل: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا}، فالحق سبحانه وتعالى لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين و إذا راقب الإنسان ربه في كل أحواله انضبط سلوكه وتصرفاته، وحسن عمله واستقامت حياته، سواء رآه الناس أم لم يروه، وسواء أثنوا عليه أم لا، فلا يظلم نفسه ولا يظلم غيره، حتى وإن غابت عنه رقابة البشر، فمراقبة الله تعالى في السر والعلن تعصم الفرد والمجتمع من الوقوع فى الخطأ ، وفي حديث جبريل أنه سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن الإحسانِ؟ فقال له: (أن تعبدَ الله كأنك تراهُ، فإن لم تكن تراهُ فإنّهُ يراك) متفق عليه. ومن هذا الحديث يتضحُ أن المراقبة هي دوامُ علمِ العبدِ وتيقُنِهِ باطّلاع الحقِّ سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه. اقرأجيدا في مقالتى بعض القصص فى مراقبة الله تعالى لعل الغافل يقتدى بها وليعلم علم اليقين ان مراقبة الله تعالى عز وجل هي الطريق القويم الذي يستحسن ان نسير فيه في الخفاء والعلن
1-خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ذات ليلة مع خادم له يدعى أسلم ليتفقد أحوال الرعية بالليل، ثم جلس ليستريح بجوار أحد الجدران فسمع امرأة تقول لابنتها: يا بنيتي، هيا قومي فاخلطي اللبن في الماء، فقالت الفتاة لوالدتها: يا أماه! أما سمعت ما قاله منادي أمير المؤمنين اليوم؟ فقالت الأم لابنتها: وما قاله منادي عمر؟ فقالت الابنة: إنه أمر ألا يخلط اللبن بالماء، فقالت الأم لابنتها: يا بنيتي قومي فاخلطي اللبن بالماء فإنك في موضع لا يراه عمر ولا منادي عمر، فردت الفتاة على والدتها: والله يا أماه ما كنت أطيعه في العلن وأعصيه في الخفاء، وإن كان عمر لا يرانا فإن الله سبحانه وتعالى يرانا. كل ذلك وأمير المؤمنين يستمع، وقد سره أمانة الفتاة، وضميرها الحي، فاختارها زوجة لابنه عاصم وكان من ذريتها الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) .
ويروى أن 2-شيخاً جليلاً كان يحب تلميذاً من تلاميذه أكثر من حبه لهم فحسده بعضهم، فأراد أن يريهم فضله عليهم والسبب الذي من أجله أحبه حباً متميزاً عن حبه لهم، فأعطى كل واحد منهم حمامة وقال له: اذهب بها فاذبحها في مكان لا يراك فيه أحد، فذهب كل منهم بالحمامة فذبحها، وجاء هذا التلميذ بالحمامةحيه، فسأله الشيخ أمامهم: لم لم تذبحها يابني كما أمرتك؟ فقال إني «كلما ذهبت إلى مكان لأذبحها أدركت أن الله سبحانه وتعالى يرانى فلم أذبحها وعدت إليك بها» عندئذ نظر الشيخ، رضى الله عنه إلى التلاميذ وقال لهم لهذا السبب كنت أميل إليه ولكنى أحبكم جميعا. هذه هى المراقبة التى يحب أن يكون عليها العبد «أينما تولوا وجوهكم فثم وجه الله»
3-عمر بن الخطاب رضى الله عنه وراعى الغنم
لابد من تربية ضمير حي في كل إنسان يأخذ بيده نحو مراقبة الله تعالى، فالمراقبة هي ثمرة علم الإنسان بأن الله سبحانه وتعالى ناظر إليه، رقيب عليه ، مطلع على عمله، سامع لقوله في كل وقت وحين ، قال تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}، وهذا ما حدث مع الراعي الذي قال له عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): بعني شاة من هذه الغنم ، فقال : إني مملوك وهذه الغنم لسيدي ، فقال عمر: – اختبارا له- قل لسيدك أكلها الذئب، فقال الراعي: إذا قلت لسيدي هذا ؟ فماذا أقول لربي يوم القيامة ؟ فبكى عمر بن الخطاب، واشترى هذا العبد من سيده وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة .
4-مراقبة الله هو الذي منَع يوسفَ نبيَّ الله عن المعصية حينما ابتُلِي ، فقال الله تعالى :
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالمُونَ ﴾ [يوسف: 23]،
5-مراقبة الله هو الذي منع الرجل الذي تمكَّن من المرأة فقالت له:
( اتَّق الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقِّه )؛ فقام وترَكَها، وترَكَ المال الذي أعطاها لَمَّا ذكَّرته بتقوى الله، فقام وترَكَها خوفًا من الله ، ومراقبة له،
6-وراود بعضهم أَعرابية عن نفسها فقال لها : لا يرانا إلا الكواكب.
فقالت له : أين مكوكبها – أي أين خالقها ومصرفها ومدبرها ألا يراك . إنها مراقبة الله إذا تمكنت من قلب المؤمن
ثمرة المراقبة قصة وعبرة
أخيرًا! اسمع لهذا الحدث ولم يقع في هذا الزمن، وإنما وقع في زمن مضى لتعرف ثمرة مراقبة الله -عز وجل- واستشعار ذلك الأمر.
7-رجل اسمه نوح بن مريم كان ذا نعمة ومال وثراء وجاه، وفوق ذلك صاحب دين وخلق، وكان له ابنة ذات منصب وجمال، وفوق ذلك صاحبة دين وخلق، وكان معه عبد اسمه مبارك لا يملك من الدنيا قليلاً ولا كثيرًا، ولكنه يملك الدين والخلق – – أرسله سيده إلى بساتين له، وقال له: اذهب إلى تلك البساتين، واحفظ ثمرها، وقم على خدمتها إلى أن آتيك، فمضى الرجل، وبقي في البساتين لمدة شهرين، وجاءه سيده، ليستجم في بساتينه؛ وليستريح في تلك البساتين.
جلس تحت شجرة وقال: يا مبارك ! ائتني بقطف من عنب، فجاءه بقطف، فإذا هو حامض، فقال: ائتني بقطف آخر إن هذا حامض، فأتاه بآخر فإذا هو حامض، فقال: ائتني بآخر إن هذا حامض، فجاءه بالثالث فإذا هو حامض، وكاد أن يستولي عليه الغضب، وقال: يا مبارك ! أطلب منك قطف عنب قد نضج، وتأتيني بقطف لم ينضج، ألا تعرف حلوه من حامضه؟ قال: والله! ما أرسلتني لآكله، وإنما أرسلتني لأحفظه، وأقوم على خدمته، والذي لا إله إلا هو! ما ذقت منه عنبة واحدة، والذي لا إله إلا هو! ما راقبتك ولا راقبت أحدًا من الكائنات، ولكني راقبت الذي لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السَّماء.
فأعجب به، وأُعْجِب بورعه، وقال: الآن أستشيرك -والمؤمنون نصحة، والمنافقون غششة، والمستشار مؤتمن- تقدم لابنتي فلان وفلان من أصحاب الثراء والمال والجاه، فمن ترى أن أزوج هذه البنت؟
فقال مبارك : لقد كان أهل الجاهلية يزوجون للأصل والحسب والنسب، واليهود يزوجون للمال، والنصارى للجمال، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوجون للدين والخلق، وعلى عهدنا هذا للمال والجاه، والمرء مع من أحب، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم.
أي نصيحة وأي مشورة! نظر وقدَّر وفكَّر، وتملى ونظر فما وجد خيرًا من مبارك ، قال: أنت حرُ لوجه الله، فأعتقه أولاً، ثم قال: لقد قلبت النظر، ورأيت أنك خير من يتزوج بهذه البنت، قال: اعرض عليها، فذهب فعرض على البنت، وقال لها: إني قلبت ونظرت وحصل كذا وكذا، ورأيت أن تتزوجي بـ مبارك ، قالت: أترضاه لي؟ قال: نعم.
قالت: فإني أرضاه مراقبة للذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
فكان الزواج المبارك من مبارك ، فما الثمرة وما النتيجة؟ حملت هذه المرأة وولدت طفلاً أسمياه عبد الله ، لعل الكل يعرف هذا الرجل، إنه عبد الله بن المبارك المحدث الزاهد العابد الذي ما من إنسان قلَّب صفحة من كتب التاريخ إلا ووجده حيًا بسيرته وذِكْره الطيب،
8-وكذلك قصَّة المرأةِ في الليلِ وزوجُها في السفر عندما قالت:
لقد طال هذا الليلُ واسودّ جانبه على ألاّ خليــلاً ألاعبُــه
فوالله لـولا الله ربّـاً أراقبـه لحرّك من هذا السرير جوانبُه
إن ذلك ثمرة مراقبة الله -عز وجل- في كل شيء . يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت، فكما تدين تدان وفي مقالتى أنه لابد من تربية ضمير حي في كل إنسان يأخذ بيده نحو مراقبة الله تعالى، فالمراقبة هي ثمرة علم الإنسان بأن الله سبحانه وتعالى ناظر إليه، رقيب عليه ، مطلع على عمله، سامع لقوله في كل وقت وحين ، قال تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}، أحوالُ السلفِ في مراقبةِ الله تعالى
وما أجمل أن يترك العبدُ المعصيةَ من أجلِ اللهِ تعالى وقد هُيّئتْ له أسبابُها، وقد أرشدَ النبيُّ صلي الله عليه وسلم على حفظ الخَلْوةِ ومراقبةِ اللهِ فيها والحياءِ منه سبحانه، وقد مدحَ صلي الله عليه وسلم مَنْ حَفَظَ دينَه في الخَلَوةِ عملَ فيها صالحَ الأعمال فقال عليه الصلاة والسلام ( .. ورجلٌ ذكر اللهَ خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه.
إذا ما خلوتَ الدهرَ يومـاً فلا تقُلْ خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيبُ
ولا تحسبنّ اللهَ يغفَلُ ساعةً ولا أنَ ما تُخفـي عليـه يغيــبُ
افق من سكرتك ايها الغافل وتحقق انك عن قريب راحل تأهب أيها العبد للقاء الله تعالى بمراقبته في كل شؤون حياتك ، واحذر من الرياء فهو نقيض المراقبة ، احذر الإنترنت والفضائيات والجوال في الخلوات فإنها بئس الجليس ، ما لم تتق الله في نفسك ، وتراقبه في تصرفك ، واقرأ إن شئت أيها المؤمن، إن عينَ اللهِ تلاحقُك أينما ذهبت، وفي أي مكان حللت اللهم إني بلغت اللهم فاشهد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock