وقفه مع الأعمال ما بين الصدق والباطل” الجزء الثانى”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع الأعمال ما بين الصدق والباطل، وإن من أظهر لنا سوءا من كان حاله السوء والفحش والفجور، لم نؤمنه ولم نصدقه، ولذلك من عرف بالكذب لا يُقبل شاهد في المحكمة ” وإن قال إن سريرته حسنه” وهذه مقولة عظيمة من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فانظر إلى حال الرجل من بني إسرائيل لما جاءه صديق له يستسلفه ألف دينار، قال صاحب المال “ائتنى بالشهداء أشهدهم، قال كفى بالله شهيدا، قال فائتنى بالكفيل لو هربت يكون بدلا منك، ولو عجزت يسدد عنك، قال كفى بالله كفيلا، قال صدقت، فظهر له من حال صاحبه الصدق، فدفعها إليه وحصلت القصة بعد ذلك، حيث ذهب الرجل وتاجر وعبر البحر وجاء الموعد المحدد ولم يجد سفينة ليرجع بها ليعطى المال لصاحبه فما عنده حيلة، فأخذ خشبة ونقرها ووضع فيها الألف دينار، ودعا الله عز وجل، فقال هذه حيلتي فأوصل هذه الأمانة ورمى الخشبة في البحر، وخرج صاحبه في الشاطئ الآخر على الموعد.
يتلمس هذا الرجل على الموضع المضروب بينهما ليأتي، لكنه لم يجد سفينة ولم يأت أحد ووجد خشبة تتهادى على الماء فقال آخذها حطبا لأهلي، فأخذها فنشرها فإذا فيها الألف دينار والرسالة من صاحبه، فأدى الله الأمانة عن ذلك الرجل “رواه البخارى، وإنه يستدل على الصدق من أهله ومظانه، كما حصل في قصة الإفك التي اتهمت فيها السيدة عائشة رضى الله عنها، فالنبى صلى الله عليه وسلم، كان يبحث عن الحقيقة ويسأل ويتحرى، ويسأل من؟ فقد أشار علي بن أبي طالب رضى الله عنه، قال له وسل الجارية تصدقك، وهى بريرة جارية كانت عند السيدة عائشة رضى الله عنها، معروفة بالصدق والأمانة، وتاريخها صدق وأمانة وهي ملازمة للسيدة عائشة رضى الله، وتعرف سرّها وتطلع في بيتها على الأمور الكثيرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، لبريرة، ولم يسأل الناس الآخرين البعيدين، الإنسان عندما يريد الصدق يتحرّى الصدق من مظانه، هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت “ما رأيت أمرا أكثر من أنها جارية حديثة السن”
” تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن يعني الشاة، فتأكله” رواه البخارى ومسلم، ومن الأمور المهمة أن نصدق الحق، لذلك تجد كثيرا من الأحاديث فيها صدقت، صدقت، صدقت، صدق فلان، صدق فلان، وإن أعلى أنواع التصديق ما يصدق الله به عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم، بشيء فيأتي الوحي تصديقا لكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، كما حصل في خيبر، فقال أبو هريرة رضى الله عنه والحديث في البخارى “شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدعي الإسلام ” هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال، وكثرت به الجراح فأثبتته وعجز عن الحركة، فجاء رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، أرأيت الرجل الذى تحدثت أنه من أهل النار قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “أما إنه من أهل النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب.
فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع منها سهما فانتحر به، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا يا رسول الله، صدّق الله حديثك قد انتحر فلان فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا بلال قم فأذن، ألا يدخل الجنة إلا مؤمن” وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر “رواه البخارى، ولو قال واحد كيف يقاتل مع المسلمين؟ نقول إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وهذا له أمثلة كثيرة في الواقع، فتجد الرجل ينشر العلم ويطبع الكتب ويبني المساجد، ويفعل أشياء ينتفع بها المسلمون وهو فاجر، نقول هذا لا يجعل فجوره صلاحا إذا كانت نيته ليست لله، لكن هذا مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وقد صدق الله صحابة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ضمن تلك الأمثلة ما روى البخارى، عن زيد بن أرقم قال “كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول كما جاء فى سورة المنافقون.
” لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ” فذكرت ذلك لعمى، فذكر عمى ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم، فدعاني، فحدثته بالذى سمعت فأرسل إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا، وكذبني النبي صلى الله عليه وسلم، وصدقهم بما ظهر من حلفهم، فأصابني غم لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي وقال عمي “ما أردت إلا أن كذبك النبي صلى الله عليه وسلم، ومقتك فأنزل الله تعالى كما جاء فى سورة المنافقون ” إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ” إلى آخر الآيات، وأرسل إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأها، قال ” قد صدّقك الله يا زيد ” ونزلت الآية تصديقا للصحابى، ونحن نأخذ الحق ونصدقه ولو كان مصدره رجلا كافرا، ولو كان مصدره الشيطان، إذا كان حقا نصدق به ولا يمنعنا جرم الكافر أن نصدق كلامه إذا كان حقا، وبعض أهل الكتاب كانوا يخبرون بأشياء من الصدق والنبي صلى الله عليه وسلم، يصدقهم.