دين ودنيا

وقفه مع كل نفس بما كسبت ” الجزء الرابع”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع كل نفس بما كسبت، وعن عبدالرحمن بن جبير رضي الله عنه قال “أتى النبى صلى الله عليه وسلم شيخ كبير هرم، سقط حاجباه على عينيه، وهو مدعم على عصا، أى متكئ على عصا حتى قام بين يدي النبى صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قسمت خطيئته على أهل الأرض لأوبقتهم أى لأهلكتهم، أله من توبة؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” هل أسلمت؟ قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال “تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك كلهن خيرات” قال وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟ قال “نعم، وغدراتك وفجراتك” فقال الله أكبر، الله أكبر، ثم ادعم على عصاه، فلم يزل يردد الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار” وقيل أراد أنه لم يدع شيئا دعته نفسه إليه من المعاصي إلا ركبه، وذلك مصداقا لقوله تعالى كما جاء فى سورة الفرقان ” إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما”

أما من رأى أن ذنوبه أكبر وأخطر من أن تغفر، فقد وكل نفسه إلى عقله القاصر عن إدراك رحمة الله عز وجل، وقد أخبرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين فعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “قال رجل لم يعمل خيرا قط لأهله” وفي رواية ” أسرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فلمّا مات فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له لِما فعلت هذا؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر له” ونوع آخر اصطدم بمن يقطبون عن جبينهم، وظنوا أنهم بعباداتهم صاروا يحكمون على عباد الله، وقد أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه النوعية فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد في العبادة، والآخر كأنه يقول مذنب.

فجعل يقول أقصِر أقصر عمّا أنت فيه، قال فيقول خلني وربي، قال حتى وجده يوما على ذنب استعظمه، فقال أقصر، فقال خلني وربي، أبعثت عليّ رقيبا؟ فقال والله لا يغفر الله لك أبدا، ولا يدخلك الله الجنة أبدا، قال فبعث الله إليهما ملكا، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عنده، فقال للمذنب ادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر أتستطيع أن تحظر على عبدى رحمتي، فقال لا يا رب، قال اذهبوا به إلى النار، قال أبو هريرة رضى الله عنه والذى نفسي بيده، لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته” أبو داود وأحمد، وعند مسلم عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث أن رجلا قال ” والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال من ذا الذي يتألَّى عليّ ألا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك” فعن ابن مسعود رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك” متفق عليه، وقيل كان أحد الصالحين جارا لأحد الفسقة الذين أدمنوا الخمر والمعاصى.

فلمّا مات هذا العاصي وطلب الناس من هذا الصالح أن يصلى عليه، تأفف الصالح، وقال هذا رجل فاسِق، كيف أصلي عليه؟ وفي تلك الليلة نام هذا الرجل الصالح، وفي المنام رأى مفاجأة وهي أن هذا الفاسق كان يصلي في الجنة، جن جنون هذا الرجل الصالح، فذهب إلى امرأة الفاسق، وسألها ماذا كان يفعل زوجك؟ قالت ما كان يفعل إلا ما رأيتم، إلا أنه كان كل أسبوع يجمع أطفال الحي اليتامى ويقول لهم ادعوا لعمكم عسى أن يغفر الله له” ويقول الله تعالى مخبرا عن قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل، كقوله تعالى فى سورة يونس ” فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين” أى ما آمنت قرية بتمامها إلا قوم يونس، فإنهم آمنوا، وذلك بعد ما عاينوا العذاب، كما قال تعالى فى سورة الصافات “وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين” وقال تعالى كما جاء فى سورة سبأ ” وما أرسلنا فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون”

وقوله تعالى ” ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا” أى آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل، وصدقت به واتبعته، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات ” لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض” أى قطر السماء ونبات الأرض، فقال تعالى ” ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون” أى ولكن كذبوا رسلهم، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم، وقيل فى تفسير ” ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض” يعنى المطر من السماء والنبات من الأرض، وأصل البركة هو المواظبة على الشىء، أى تابعنا عليهم المطر والنبات ورفعنا عنهم القحط والجدب، ” ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون” من الأعمال الخبيثة، وقوله تعالى “ولو أن أهل القرى” يقال للمدينة قرية لاجتماع الناس فيها، من قريت الماء إذا جمعته، ومعنى آمنوا أى صدقوا واتقوا أى الشرك لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض يعنى المطر والنبات، وهذا فى أقوام على الخصوص جرى ذكرهم، إذ قد يمتحن المؤمنون بضيق العيش ويكون تكفيرا لذنوبهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock