وقفه مع أهلا رمضان ” الجزء العاشر “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء العاشر مع أهلا رمضان، وإن هذا الشهر، شهر عظيم كله، خير كله بركة نهاره صيام وليله قيام وذكر لله سبحانه وتعالى، فالمسلم إما أن يشغل وقته دائما في الفرائض والنوافل والطاعات أو يستريح بالنوم لينشط على العبادة، والنوم الذى بمقدار، أما الذى ينام يسهر الليل على القيل والقال والأكل والشرب والملذات ثم ينام النهار كله ويقول أنا صائم هذا من العجائب صائم يترك الصلوات يترك الفرائض لا يصلي مع الجماعة لا يتجه إلى المساجد هذا صائم، فالصيام ليس عن الأكل والشرب فقط، والصيام إنما هو إمساك عن كل ما حرم الله سبحانه وتعالى، ومن أعظم ذلك إضاعة الفرائض فى أوقاتها، فعلى المسلمين أن يتنبهوا لهذا الأمر، فشهر رمضان ليس شهر للكسل والأكل والشرب إنما هو شهر للطاعة والجد والاجتهاد للقول العمل ولا مانع أن يأخذ الإنسان قسطا من الراحة ولا يفوت عليه خيرا، ولا يفوت عليه صلاة الجماعة، ولا يفوت عليه المشاركة فى الخير، بل يجمع بين ما يريح جسمه وما يحي قلبه وروحه وفكره.
بذكر الله سبحانه وتعالى هذه فرصة، والفرص لا تدوم، وشهر رمضان ربما لا يتكرر عليك مرة ثانية فيكون هذا الشهر ختاما لحياتك بل تختمها بخير ختام، وإن من باب التناصح والتعاون على الخير، نذكر بعض الأخطاء والبدع التي تقع في رمضان، آملين أن يتجنبها الصائمون ليسلم عملهم في رمضان منها، وهى متنوعة ومنها ما يتعلق بالاعتقادات والعبادات، ومنها ما يتعلق بالأقوال والسلوكيات، وتختلف في أحكامها، فمنها ما هو حرام، ومنها ما هو مكروه، والمسلم في رحلته عبر الحياة خاصة في رمضان عليه أن يجتهد في السلامة من كل ذلك قل أو كثر، فمن ذلك هو التساهل في الأخذ بالأحاديث الضعيفة بل والموضوعة ونشرها بين الناس بدعوى الحث على الخير فى شهر رمضان، فتتناقلها الألسن، وتلقى على الأسماع في الدروس الرمضانية والخطب، وتبليغ سنة النبى صلى الله عليه وسلم وتعليمها للناس قربة وعبادة، ونسبة حديث للنبي صلى الله عليه وسلم لم يقله خطأ كبير إذ يجب بينان ضعفه، أما الأحاديث الموضوعة.
فلا تذكر إلا ببيان أنها موضوعة، وفى الحديث المرفوع المتواتر يقول صلى الله عليه وسلم ” من كذب على متعمدا فليتبؤا مقعده من النار ” رواه البخارى ومسلم، لذا وجب التثبت من كل حديث يُنسب للنبى صلى الله عليه وسلم ويعلم للناس، وهل يليق بالصائم العابد أن ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله؟ والعمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال عند القائلين بجوازه له ضوابط ينبغى التقيد بها فلتراجع، وأما فى الأحكام والمعتقدات فلا، وللأسف فهناك العشرات من الأحاديث الضعيفة والموضوعة يتداولها الناس بلا نكير فى رمضان، فوجب التثبت والتحرى، فمن أمثلة ذلك هو حديث سلمان الفارسى رضي الله عنه، المرفوع الطويل وفيه” خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان فقال يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه”
وهو مما يُلقى على المنابر، وتخصص له الدروس والمجالس فى رمضان، وقد ضعفه الألبانى فى السلسلة الضعيفة والحديث المرفوع أيضا ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان” وبيّن بطلانه الحافظ “ابن رجب الحنبلي” في رسالته “تبيين العجب بما ورد في فضل رجب” والحديث المرفوع ” رجب شهر الله، وشعبان شهرى، ورمضان شهر أمتى” لا يصح كما بينه الحافظ فى “تبيين العجب” وحديث ” صوموا تصحوا ” ضعفه الألبانى، وحديث ” شهر رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر” ضعفه ابن الجوزى، وابن حجر، وحديث ” من اعتكف عشرا فى رمضان كان كحجتين وعمرتين” وهو حديث موضوع كما ذكر الألبانى فى السلسة الضعيفة والموضوعة وهذا باب واسع يجب التنبيه عليه والتحذير منه، وتوجيه العباد إلى ما صح من حديث وهدى النبى صلى الله عليه وسلم، وإن رمضان هو الشهر الذى ينتصر فيه الإنسان على شهواته.
وملذاته التي ما كان ليستطيع الابتعاد عنها ساعة أو ساعتين في الأيام الخوالى، فرمضان هو شهر الحب والرحمة، وهو الشهر الذى تشتاق له الروح كاشتياق الوردة إلى الماء فهى تزداد نضارة وجمالا إذا ما مستها قطرة من الماء كنضارة الإنسان إذا مسته نفحة من نفحات رمضان، ويطول انتظار المسلمين لشهر رمضان، حتى أن بعضهم يتمنوا أن تكون أيام السنة كلها رمضان لما فيه من الجلال والجمال، وإن هؤلاء الذين يجهرون بالمعصية في الشهر لمحو أثره، الذين يقولون وهو عنوانهم يا باغي الشر أقبل، ويا باغى الخير أقصر، بدلا من أن يقولوا يا باغى الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، فهذا الشهر خير كله أيامه ولياليه ساعاته وأوقاته، ولكن الشأن فينا نحن بماذا نستقبل هذا الشهر؟ وبماذا نقضي أوقاته المباركة؟ فالشهر شهر عظيم، ولكن المشكلة عندنا نحن فى أنفسنا، فلنعرف قدر هذا الشهر ولنستقبله بالبشر والسرور فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه قال أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، جعل الله صيامه فريضة،
وقيام ليله تطوعا ، وذكر له فضائل كثيرة، فأول فضائل هذا الشهر أن الله أنزل فيه القرآن أي ابتدأ إنزال القرآن في هذا الشهر وذلك في ليلة القدر، فابتدأ بإنزال القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فى شهر رمضان ثم تتابع نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا حسب الوقائع والنوازل إلى أن أكمله الله عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذا الشهر بتلاوة القرآن أكثر من غيره، وكان صحابته والمسلمون من بعدهم يقبلون على تلاوة القرآن في هذا الشهر العظيم، فهو شهر القرآن، وهو شهر الصيام، فالله عز وجل جعل صيامه فريضة وركنا من أركان الإسلام فقال تعالى ” فمن شهد منكم الشهر فليصمه ” والنبي صلى الله عليه وسلم جعل صيام رمضان من أركان الإسلام الخمسة فقال صلى الله عليه وسلم “بني الإسلام على خمسة أركان، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، حج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا”
فيجب على كل مسلم مقيم أن يصوم هذا الشهر من أوله إلى آخره أداء فى وقته، أما من كان معذورا بسفر أو بمرض فإنه يفطر أيام سفره وأيام مرضه على أن يقضي ما أفطره من أيام آخر، والنبي صلى الله عليه وسلم شرع لنا وسن لنا قيام ليله قال صلى الله عليه وسلم” من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” وقال صلى الله عليه وسلم” من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” وقد جاء من يفسر قيام رمضان بقوله صلى الله عليه وسلم” من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة” فقيام رمضان فيه فضل عظيم، يكفر الله به الذنوب، من قام رمضان إيمانا واحتسابا، إيمانا وتصديقا به وبفضله واحتساب لأجره فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وذلك بالذنوب الصغائر، أما الذنوب الكبائر فإنها لا تكفر إلا بالتوبة، فقال تعالى ” إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم” وقال صلى الله عليه وسلم” الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر”.