فى طريق النور ومع فضل الحديث ” الجزء الثانى “

إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع فضل الحديث، ولقد بدى لنا مما تقدّم أن السنة النبوية الشريفه هى أصل من أصول الدين، وأنها المصدر الثاني للأحكام الشرعية، وأن العمل بها واجب لأنه طاعة لله ولرسوله، وأن تركها ومخالفتها ترك لكتاب الله، ورفض لما أمر به، وذلك ما يقضي به كتاب الله عز وجل، وهو ما اتفق عليه المسلمون وأجمعوا عليه، وجرى عليه العمل في عهده صلى الله عليه وسلم وفيما تلاه من عهود، وذلك ما لا ريب فيه بالنسبة إلى السنة جملة، وبالنسبة إلى ما تواتر منها إفرادا وتفصيلا، للقطع بصحة النسبة عندئذ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أما عند النظر إلى السنة إفرادا وتفصيلا، فإننا لا نقطع بصحة نسبة حديث معين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان متواترا، فإذا لم يكن متواترا لم نقطع بصحة نسبته، وأمكن حينئذ أن يصل الظن إلى ما يترجح معه وروده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى ما لا يترجح معه ذلك، وذلك ما يكون نتيجة للبحث والنظر في حال السند والمتن، بمراعاة القواعد والضوابط التي أرشد إليها علماء الحديث، وثبتتها القواعد العلمية المتعلقة بنقل الأخبار وصحتها، فإذا ما انتهى باحث من بحثه في حال حديث إلى ترجيح وروده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلب ذلك على ظنه، وسلم مع ذلك من النسخ في ظنه، فقد وجب عليه العمل به.
إذ إن وجوب العمل شرعا منوط بالظن لا بالقطع، فذلك ما قام عليه الدليل القطعي، كما هو مبين في موضعه، وإذا ما انتهى بحثه إلى خلاف ذلك لم يجب عليه العمل به، وإن وجب على غيره ممن نظر وبحث فانتهى إلى غير ما انتهى إليه هذا الباحث من ترجيح صدوره عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعدم ورود المعارض له، وكثيرا ما رأَينا أن منَ الأئمة من لم يعمل ببعض ما رواه من الحديث، إمّا لظن نسخه وإمّا للشك في صحّة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما نرى غيرهم من الأئمة قد عمل به، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبعض أصحابه وقعوا في مخالفة سنته “فمن رغب عن سنتي فليس مني” فإن السنة النبوية هى شاملة لكل خير وهدى، فما من خير إلا ودلنا عليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وما من شر إلا وحذرنا منه صلى الله عليه وسلم فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم” وقد جاء يهودي إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال له ” قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، قال أجل” أي بمعنى ما ترك نبيكم شيئا إلا علمكم إياه، حتى كيفية الاستنجاء.
وطريقة الاستبراء، من النجاسة علمكم إياها، وهذا من كمال ديننا، ولم يكمل ديننا إلا بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولهذا يجب على كل مسلم أن يتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يعظمها كل تعظيم، وأن يؤمن ويصدق بما جاء فيها من أحكام وأخبار، وأن لا يفهمها بهواه، وإنما يفهمها على مرادها الصحيح، كما فهمها سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وأن يجعل عقله تبعا لما جاء فيها، وإن قصر عقله عن فهمها، وليحذر كل الحذر من ردها ورد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، الصحيحة، وعلى المسلم أيضا أن يلتزم طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات كلها لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بالله تعالى وبعبادته، وهو أخشى الناس لله، وأتقاهم له، فالذي يريد أن يعبد الله على طريقته الخاصة، دون متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن يخترع عبادة جديدة مخالفة لهديه، فعبادته باطلة، ومردودة لا يقبلها الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم “من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد” أي بمعنى ليس من طريقتنا وهدينا، فهو رد، فلا يقبل، ولا يصلح قول، ولا عمل، ولا علم، ولا نية، إلا بموافقة السنة، وإن كل الطرق المؤدية إلى رضوان الله تعالى مسدودة على الخلق، إلا طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أمرنا الله وتعبدنا بمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقال تعالى فى سورة آل عمران ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ” أي بمعنى قل إن كنتم تحبون الله وتريدون عبادته ورضوانه فاتبعوا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، واتبعوا طريقته، يحببكم الله ويقبل عبادتكم لأن الله عز وجل جعل رسوله صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة للناس ليتبعوه، فقال تعالى فى سورة الأحزاب ” لقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ” فعليكم بلزوم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم في جميع أحوالكم، واحذروا ما يخالفها من محدثات الأمور، فإنها ضلال وغرور، وإن التمسك بالسنة الشريفة هداية ونجاة، وسعادة وفلاح، فقال صلى الله عليه وسلم “كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى” قالوا يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال “من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى” رواه البخاري، وقد اعتنت الأمة الإسلامية بحديث النبي صلى الله عليه وسلم منذ بداياتها، وحاز حديث النبي صلى الله عليه وسلم من الوقاية والحفظ والمحافظة الشيء الكثير، فقد نقل لنا الرواة أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم في الشؤون كلها العظيمة منها أو اليسيرة، بل في الجزئيات التي قد يتوهم أنها ليست موضع اهتمام، فنقلوا لنا كل التفاصيل في أحوال النبي صلى الله عليه وسلم سواء في الطعام أو الشراب أو بكيفية نومه ويقظته.
أو قيامه أو قعوده صلى الله عليه وسلم، وكان من حرصهم على الحديث أن يجتهدوا في التوفيق بين مطالب حياتهم اليومية والتفرغ للعلم، فعن عمر بن الخطاب أنه قال ” كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك” ويرجع للصحابة الكرام الفضل في بدء علم رواية الحديث النبوى الشريف، وذلك أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومع انتشار الإسلام واتساع البلاد الإسلامية أقام الصحابة الكرام في البلاد المتفرقة ينشرون العلم ويبلغون الحديث فصار الحديث علما يروى وينقل، ووجد بذلك علم الحديث رواية، وكان الصحابة الكرام يروي بعضهم عن بعض ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك من جاء بعدهم من التابعين كانوا يروون عن الصحابة، ولم يكونوا يتوقفون في قبول أي حديث يرويه صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وظل الأمر على هذه الحال حتى وقعت الفتنة التي أدت إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه، وما تبع ذلك من انقسامات واختلافات، وظهور الفرق والمذاهب المختلفة، فأخذ الدَّس على السنة النبوية يكثر شيئا فشيئا، وبدأ كل فريق يبحث عن ما يسوغ بدعته من نصوص.
ينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعندها بدأ العلماء من الصحابة والتابعين يتحرون في نقل الأحاديث، ولا يقبلون منها إلا ما عرفوا طريقها واطمأنوا إلى ثقة رواتها وعدالتهم، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن مجاهد قال ” جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه، أي لا يستمع، ولا ينظر إليه، فقال يا ابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع؟ فقال ابن عباس إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف” وقد أخرج الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أيضا عن محمد بن سيرين أنه قال ” لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم” واتبعهم في ذلك التابعون وتابعوهم، ووضعوا قواعد علمية في قبول الأخبار من غير أن ينصوا على كثير من تلك القواعد، ثم جاء أهل العلم من بعدهم فاستنبطوا تلك القواعد من منهجهم في قبول الأخبار ومعرفة الرواة الذين يعتد بروايتهم أو لا يعتد بها، كما استنبطوا شروط الرواية وطرقها، وقواعد الجرح والتعديل وكل ما يلحق بذلك.
إذن فغاية علم الحديث هو معرفة صحيح الحديث من ضعيفه، وما يقبل وما يرد من الحديث وذلك من خلال النظر في سند الحديث ومتنه، وأحوال رجاله وما يتعلق بهم جرحا أو تعديلا، أو فيما يتعلق بما يتصل بالحديث من أحكام ودلائل ومعرفه ناسخه من منسوخه ومعرفة رواتب نقلة الحديث من الصحابة والتابعين والتفاوت بينهم، والتفاوت في الأسانيد من حيث الاتصال أو الانقطاع منها والسلامة من العلل وما إلى ذلك، وقد قال الإمام السيوطي، إن علم الحديث ذو قوانين تحديد رأى بها أحوال متن وسند فذلك الموضوع والمقصود هو أن يعرف المقبول والمردود، ثم ما لبثت علوم الحديث أن تكاملت، وتفرعت منها علوم كثيرة جدا ومتنوعة، وقد ذكر ابن الصلاح منها خمسة وستين نوعا، ثم قال ” وليس ذلك بآخر الممكن فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى ” حتى أن الحازمي قال ” علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تبلغ مائة، كل نوع منها علم مستقل، لو أنفق الطالب فيه عمره، ما أدرك نهايته” ولقد أرسل الله تعالى الرسل مبشرين ومنذرين، ومحذرين ومرغبين، ومعلمين ومرشدين، حتى تقوم الحجة على الناس أجمعين، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وضّح معالم الشريعة، وبيّن أحكام الملة، وأمرنا بلزوم السنة، في أصول الدين وفروعه.