
بقلم محمد الكعبي
جاء الإسلام الحنيف محافظاً على المرأة وناصراً لها من خلال سن القوانين والتشريعات التي تنسجم مع التغاير التكويني في خلق المرأة والرجل, ولقد قّدم الإسلام الصورة الرائعة لحقوق المرأة بما ابهر العقول حيث لا يعتبر الانوثة نقطة ضعف أو وهن أو عجز أو احتياج أو ارتخاء تمنعها من الوصول إلى الكمال المنشود بل جعل لها المقامات السامية لما تحمل بين طياتها من روح التفوق والابداع في مهماتها التي انيطت بها فكانت أعظم ام، واحن اخت، وارق زوجة، واصدق بنت لأنها النصف الرائع والجميل في الدنيا.
صدق المتنبي حيث قال: وما التأنيث لاسم الشمس عيب * ولا التذكير فخر للهلال.
لقد قبعت المرأة لسنين طوال في فكر البشرية الرجعية حيث كانت عبارة عن وسيلة يتسلى بها الرجل ويلقي بها بعد قضاء حاجته منها، وهذا هو الحال في جميع الحضارات التي سبقت الإسلام،
إنّ هذه الرؤية التأريخية المأساوية للمرأة ترتكز على خلفيات لا تخفي نزعتها العنصرية، في سلب الجمال من افتراضه في جوهرها وقتل الإنسانية في نصفها الرائع، ان الأفعال العدائية والاقصائية والاحتقار ضد المرأة غير ملائمة وغير منسجمة مع روح الإسلام، وجاء الإسلام ليقضي على الحرمان، والظلم والاستبداد في سجون الجاهلية، وعلى العادات الوثنية التي تسلب حق المرأة في الحياة الكريمة، فأشرقت الأرض بنور ربها وجاء النهار مبصراً بنعمته ببزوغ فجر الإسلام وتعاليمه ونظامه العالمي بإشراقات ونفحات الرسول(ص) لينتصر للجمال والإبداع والكمال وينصف المرأة التي عانت من الظلم والاضطهاد والحرمان فكان خير عون لها في دنيا الاضطهاد والصراع فانقذها وخلصها من براثن الحرمان والاحتقار فجعل لها الحق في التعليم و الاختيار واحترم رأيها وملكيتها وسن القوانين التي تصون عفتها وتحافظ على رونقها، وليضع حدً لطغيان الحضارات على الطبيعة والمتمردة على السماء فجعل المرأة والرجل في التكليف والثواب سواء، وأعطى كل منهما تكاليف و أوامر بما ينسجم مع طبيعته الخلقية والنفسية بدون إجحاف وتعسف وظلم ليأخذ كل منها دوره في الحياة وراعى لكل منهما خصوصياته.
جاءت الشريعة لتعلن أن المرأة والرجل من طينة ونفس واحدة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً..}، وجعل المعيار والتفاضل بينهم التقوى، التي بها يتمّيز الأفضل من الإنسان فالکل سواسية أمام الله تعالى في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. لا من حيث الذکورة والأنوثة وانما الايمان والعمل الصالح هو المعيار لبلوغ الحياة الطيبة، وفي عصرنا الحالي ما زال الكثير ممن يتعامل بجاهلية الأمس من حيث احتقار المرأة، والنظرة الدونية ما زالت موجودة في بعض المجتمعات حتى وصل الحال أن تسلب إرادتها وكرامتها وإرثها، المساواة من المفاهيم العميقة والمتجددة والفاعلة والشرعية التي يسعى إليها الاسلام لتحقيقها ،ولابد أن نفرق بين المساواة والتساوي، الاسلام يريد المساواة بين الانثى والذكر لأن بالتساوي سيلحق الظلم بكلا الطرفين، فكل منهما له خصوصياته التي تنسجم مع طبيعته فلا يمكن التساوي بينهما، وهذه من حكم الله تعالى في خلقة، فالتمايز يمنح الحياة روح الاندفاع نحو الكمال من خلال ثنائية المرأة والرجل الذين يشكلان الصورة الابهى في عالم الدنيا.