الدكروري يكتب عن الصبر والثبات ثم الفرج
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الخميس الموافق 21 ديسمبر
الحمد لله برحمته اهتدى المهتدون، وبعدله وحكمته ضلّ الضالون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، تركنا على محجّة بيضاء لا يزيغ عنها إلا أهل الأهواء والظنون، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى اللهَ بقلب سليم، أما بعد، لقد كان لنا في صحابة النبي صلي الله عليه وسلم القدوة الحسنة في الصبر علي البلاء والقدرة علي تحمل الصعاب فهذا هو الصحابي الجليل عمار بن ياسر وأبوه وأمه رضي الله عنهم، ابتلوا بلاء شديدا بمجرد ما أسلموا، وكانت أمه أول شهيدة في الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر عليهم فلا يجد ما يواسيهم به غير الكلمات.
فيقول “لهم صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة” وهذا هو الصحابي الجليل مصعب بن عمير الذي ضرب مثلا في الثبات على دينه إذ ابتلي وكان في غاية من النعيم والترف فلقد كان يمر في شوارع مكة بعد ساعات من مروره الناس يقولون مر مصعب بن عمير من هذا الطريق، من طيب الرائحة، فلما قذف في قلبه الإيمان ابتلي من الأقربين قبل الأبعدين، فهذه أمه منعته كل شيء كانت تعطيه، ومع هذا صبر رضي الله عنه، كان غنيا مترفا لكنه لما أسلم حوصر حصارا شديدا هذا الحصار من جميع النواحي وحُبس رضي الله عنه لكن ما زادته هذه الفتن إلا نضوجا تماما كما يفتن الذهب فيستخرج منه الخبث فيبقى جوهرا ومعدنا نقيا، ولما علموا أن ذلك ما يزيده إلا صبرا وثباتا بعد ذلك أفرج عنه وانطلق رضي الله عنه داعيا إلى الله عز وجل.
وفتح الله عليه وصار سفيرا للإسلام، وهذا هو الصحاب الجليل كعب بن مالك وصاحباه حينما تخلفوا عن غزوة تبوك ابتلوا بلاء شديدا، إذ إنه حصل لهم مقاطعة من الأقربين والأبعدين فنُهي الناس عن السلام عليهم، بل قيل لزوجاتهم أن ينطلقن إلى أهاليهن، وبقوا وحيدين كان يأتي هؤلاء إلى المسجد النبوي يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة رضي الله عنهم ما أحد يسلم عليهم أبدا حتى حصل لهم من الضيق ما ذكره الله تعالى ضاقت عليهم أنفسهم والأرض بما رحبت، لكن مع هذا جاءهم الفرج نتيجة أنهم صبروا وصدقوا الله تعالى بل إن كعب بن مالك رضي الله عنه ترسل إليه رسالة من ملك الروم يقال له إن صاحبك قد قلاك فالحق بنا نواسك، يعني تعالي إلينا ارتد عن دينك ونعطيك ما تريده.
فيقرأ تلك الرسالة ثم يقول ” وهذا أيضا من البلاء” ثم يرمي بتلك الورقة إلى التنور، وقد اجتهد أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قبل موته اجتهادا شديدا فقيل له لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق ؟ فقال إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك، قال فلم يزل على ذلك حتى مات، وكان أبو مسلم الخولاني يقول أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يستأثروا به دوننا ؟ كلا والله، لنزاحمهم عليه زحاما حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالا، وعن حماد بن سلمة قال ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعا، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصليا، وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئا.
أو عائدا مريضا، أو مشيعا لجنازة، أو قاعدا في المسجد، قال فكنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله عز وجل، وهكذا ربّى رسول الله صلي الله عليه وسلم رجالا على القوة والثبات، حملوا هذا الدين ونقلوه إلى مليارات المسلمين بعدهم.
زر الذهاب إلى الأعلى