الدكروري يكتب عن القدوة في باب الشهامة والإقدام
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله تعالى ذو الجلال والإكرام، مانح المواهب العظام، والصلاة والسلام على النبي سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم على التمام، إن القدوة الأولى في ميدان المروءة وصنائع المعروف وإغاثة الملهوف هو سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد شهدت بذلك أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها بعد أن أخبرها
النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بما حدث له في الغار وقال لها ” لقد خشيت على نفسي، فقالت السيدة خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق” رواه البخاري، وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال ” كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس.
ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول لم تراعوا لم تراعوا، أي “لا تخافوا” وهو على فرس لأبي طلحة عُريّ أي ما عليه سرج، في عنقه سيف فقال لقد وجدته بحرا أو إنه لبحر ” ويقصد الفرس في سرعته” رواه البخاري، وهكذا نرى أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم يتأخر عن نجدة الناس في وقت الفزع والخوف بل كان أسرعهم على فرس عريّ إلى موقع الحدث وعاد ليؤمّنهم من فزعهم وخوفهم، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم على الدوام أقرب الناس إلى مظنات الأخطار ليحميهم ويسد عنهم الثغرات، وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه ” كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه”
وهذا درس من أعظم الدروس لكل قائد أيا كان موقعه وفي أي مجال أن يبدأ بنفسه ليكون قدوة في باب الشهامة والإقدام، وقيل أنه خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في ظلام الليل بعد صلاة العشاء يتفقد الناس، ونزل إلى خيام حول المدينة وفيها فقراء من بوادي العرب، فأتى إلى خيمة، فسمع امرأة تصيح وتبكي وهي في الطلق، فوقف عند باب الخيمة، وهو يرتجف كالعصفور من شدة البرد ويبكي رضي الله عنه وأرضاه، فقال له مولاه أسلم ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال إنك لا تدري يا أسلم ماذا تجد من ألم الولادة، ثم ذهب رضي الله عنه، في قصة طويلة، وأتى بطعام لها، وصنع لها عشاء، حتى قالت والله إنك أحق من عمر بن الخطاب بالخلافة، ولم يكن ولن يكون إنسان مثل الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك العبادة العظيمة.
وذلك الخلق الكريم ألا وهو جبر الخواطر، فهو الأسوة الحسنة في كل خلق عظيم، وتحفل سيرته العظيمة الشريفة بالعديد من المواقف التي تكشف حرصه الكبير على جبر الخاطر لكل تعامل معه صلى الله عليه وسلم، فقد جاء رجل فقير بقدح مملوءة عنبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهديه له، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم القدح وبدأ يأكل العنب، فأكل الأولى وتبسم، ثم الثانية وتبسم، والرجل الفقير يكاد يطير فرحا بذلك، والصحابة ينظرون قد اعتادوا أن يشركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء يهدى له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل عنبة عنبة ويتبسم، حتى أنهى القدح والصحابة متعجبون، ففرح الفقير فرحا شديدا وذهب، فسأله أحد الصحابة يا رسول الله لِما لم تشركنا معك؟
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد رأيتم فرحته بهذا القدح، وإني عندما تذوقته وجدته مُرا فخشيت إن أشركتكم معي أن يُظهر أحدكم شيئا يفسد على ذاك الرجل فرحته، فلقد جبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخاطر الفقير ولم يجرحه بكلمة أو حتى بتعبير وجهه.
زر الذهاب إلى الأعلى