الدكروري يكتب عن العصبية في حياة ابن خلدون
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب التاريخ الإسلامي الكثير عن أئمة الإسلام والمسلمين والذي كان من بينهم الإمام إبن خلدون، وقيل أن العصبية عنده أصبحت مقولة اجتماعية، احتلت مكانة بارزة في مقدمته حتى اعتبرها العديد من المؤرخين مقولة خلدونية بحتة، وهم محقون في ذلك
لأن ابن خلدون اهتم بها اهتماما بالغا إلى درجة أنه ربط كل الأحداث الهامة والتغييرات الجذرية التي تطرأ على العمران البدوي أو العمران الحضري بوجود أو فقدان العصبية، كما أنها في رأيه المحور الأساسي في حياة الدول والممالك، ويطنب ابن خلدون في شرح مقولته تلك، مبينا أن العصبية نزعة طبيعية في البشر مذ كانوا، ذلك أنها تتولد من النسب والقرابة وتتوقف درجة قوتها أو ضعفها على درجة قرب النسب أو بعده.
ثم يتجاوز نطاق القرابة الضيقة المتمثلة في العائلة ويبين أن درجة النسب قد تكون في الولاء للقبيلة وهي العصبية القبلية ومن هذا الباب الولاء والحلف إذ نصرة كل أحد من أحد على أهل ولائه وحلفه للألفة التي تلحق النفس في اهتضام جارها أو قريبها، أو نسيبها بوجه من وجوه النسب، وذلك لأجل اللحمة الحاصلة من الولاء أما إذا أصبح النسب مجهولا غامضا ولم يعد واضحا في أذهان الناس، فإن العصبية تضيع وتختفي هي أيضا بمعنى أن النسب إذا خرج عن الوضوح انتفت النعرة التي تحمل هذه العصبية، فلا منفعة فيه حينئذ، هذا ولا يمكن للنسب أن يختفي ويختلط في العمران البدوي، وذلك أن قساوة الحياة في البادية تجعل القبيلة تعيش حياة عزلة وتوحش، بحيث لا تطمح الأمم في الاختلاط بها.
ومشاركتها في طريقة عيشها النكداء، وبذلك يحافظ البدو على نقاوة أنسابهم، ومن ثم على عصبيتهم، والصريح من النسب إنما يوجد للمتوحشين في القفر، وذلك لما اختصوا به من نكد العيش وشظف الأحوال وسوء الموطن، حملتهم عليها الضرورة التي عينت لهم تلك القسمة فصار لهم ألفا وعادة، وربيت فيهم أجيالهم فلا ينزع إليهم أحدا من الأمم أن يساهم في حالهم، ولا يأنس بهم أحد من الأجيال فيؤمن عليهم لأجل ذلك منت اختلاط أنسابهم وفسادها أما إذا تطورت حياتهم وأصبحوا في رغد العيش بانضمامهم إلى الأرياف والمدن، فإن نسبهم يضيع حتما بسبب كثرة الاختلاط ويفقدون بذلك عصبيتهم ثم يقع الاختلاط في الحواضر مع العجم وغيرهم وفسدت الانساب بالجملة ثمرتها من العصبية.
فاطرحت ثم تلاشت القبائل ودثرت فدثرت العصبية مدثورها وبقي ذلك في البدو كما كان وهكذا نخلص للقول في هذا الصدد بأن العصبية تكون في العمران البدوي وتفقد في العمران الحضري.
زر الذهاب إلى الأعلى