بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنه يعتري الإنسان الهم والغم، والقلق والأرق، ولكن جعل الله تعالي لكل همّ فرجا، ولكل ضيق مخرجا، فيا من شكا الخطوب، وعاش وهو منكوب، ودمعه من الحزن مسكوب، ويا من داهمته الأحزان، وبات وهو سهران، وأصبح وهو حيران، ويا من هده الهم وأضناه، وأقلقه الكرب وأشقاه، وزلزله الخطب وأبكاه، أنسيت أمن يجيب المضطر إذا دعاه، فاعلموا أن الحياة دقائق وثواني، واعلموا أن ما فات مات، وأنه يجب علينا أن نتدارك أنفسنا ونعمل للمستقبل، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن تهلكوا، فما أحوجنا إلى التقوى لتخرجنا من الضيق وتكون سببا في حصول الرزق، وما أحوجنا إلى التقوى، التي ينجو بها المؤمن من الشدائد وتندك أمامه العقبات والمصاعب ويكون في أمن من الخوف والحزن يوم القيامة وما أحوجنا إلى زاد نحمله في سفرنا إلى دار القرار، وهذا هو الزاد الحقيقي للمؤمن، الزاد الذي يكفل السعادة والطمأنينة .
والعيش الرغيد في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، فقال الإمام الراشد عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه “إن لكل سفر زادا فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى، ولا يطولن عليكم الأمر فتقسو قلوبكم” فما أحوجنا إلى زاد التقوى الذي يحيي القلوب ويسكب فيها الأمن والسكينة والهدوء، ويصونها من التدهور والسقوط، يا له من زاد لمغفرة الذنوب، والأمل في فضل الله العظيم يوم ينفد كل زاد إلا التقوى، فقد وقف بلال وصهيب وعمار وأبو سفيان والحارث بن هشام رضي الله عنهم عند باب عمر ليؤذن لهم، وكان أبو سفيان يتوقع أن يدخل الأول لأنه سيد قريش، فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بأن يدخل أولا بلالا ثم عمار وصهيب وبقي كبار قريش عند باب عمر، فغضب أبو سفيان وكأنه قال ما رأيت أن يدخل قبلي هؤلاء الأعبد، فعاتبه الحارث بن هشام، وقال كلاما ما معناه، إن القوم دُعوا فأجابوا فسبقوا للإسلام ودعينا فتأخرنا.
ولا أبالي أن أقف عند باب عمر بن الخطاب فلا أدخل ولكن أخشى أن أتأخر في الآخرة، ودخل خباب بن الأرت يوما على عمر بن الخطاب فأكرم مجلسه وقال ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا بلال، إذن ما الذي رفع بلالا، وأوصله إلى هذه المنزلة إنه التقوى وهو الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، لذا سمع النبي صلى الله عليه وسلم خشفة أي صوت نعليه في الجنة وسأله عن ذلك، فقال إنه ما أذن قط إلى وصلى بعده ركعتين، وما أحدث إلا وتوضأ ثم صلى ركعتين، فكم من إنسان غير معروف، ولا يؤبه له، وليس من أشراف الناس ولا من ساداتهم أو كبرائهم، رفع الله منزلته، وأعلى مكانته، وأصبح له تأثيره ووزنه في أمته، فهذا عبدالرحمن بن أبزى الخزاعي له صحبة ورواية، وفقه وعلم وهو مولى من الموالي ففي صحيح مسلم أن نافع بن عبدالحارث الخزاعي، وكان عامل عمر بن الخطاب على مكة، أنه لقيه بعسفان.
فقال له من استخلفت؟ فقال ابن أبزى مولى لنا، فقال عمر بن الخطاب مستنكرا عليه استخلفت مولى؟ قال إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، قال عمر أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين” ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن قال ابن أبزى ممن رفعه الله بالقرآن، وهذا مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي عبد أسود مولى من الموالي رفعه الله بالتقوى وفعل الطاعة وطلب العلم، لم يمنعه ضعفه ولا فقره من أن يقدم شيئا للأمة، وأن يؤثر فيها وأن يصنع مجدا يخلده التاريخ فكان شيخ المفسرين والقراء وإمامهم والمقدم على كثير منهم في زمانه، يقول عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة ويقول عرضت القرآن ثلاث عرضات أوقفه عند كل آية أسأله فيم نزلت، وكيف كانت؟ ويقول عنه الأعمش ترى مجاهد كأنه حمال، فإذا نطق خرج من فيه اللؤلؤ، مات رحمه الله وهو يصلي ساجدا لله سنة مائة واثنين من الهجرة.
ويقول مجاهد صحبت ابن عمر رضي الله عنهما، وأنا أريد أن أخدمه، فكان يخدمني ويقول ربما أخذ ابن عمر لي بالرّكاب، فهذا تابعي وابن عمر صحابي ولكن رفعه الله بالتقوى والعلم، فإن تقوى الله سبحانه وتعالى لمن أعظم القربات إليه، فجدير بالمسلم المؤمن أن ويتقي ربه لأنه محاسبه على كل صغيرة وكبيرة مما يأتي ويذر، ومفهوم التقوى ومعناها أن يجعل المرء بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تحول دون مغبته، وتقوى الله تكون الطاعة واجتناب المعصية، ولا أدل على حب الله تقواه من ذكرها وتكرارها في غير آية من سور القرآن الكريم، وكثيرا ما يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتقوى ويحث عليها يقول صلى الله عليه وسلم “اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق أحسن” ويكررها صلى الله عليه وسلم في كل خطبة يخطبها في المسلمين، وفي كل وصية يوصيهم بها، فاللهم اجعلنا من المتقين المتبعين.
زر الذهاب إلى الأعلى