مقالات

الدكروري يكتب عن الوطن هو الروح والكيان

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن من الواجب علينا جميعا أن نتواصى بتقوى الله سبحانه وتعالى، وأن نتمسك بولائنا لوطننا الغالي، وأن نبذل ما في وسعنا لحمايته والحفاظ عليه، والتضحية بالغالي والنفيس من أجله، وأن نقف في وجه كل محاولة للإخلال بأمنه، أو الإضرار بمكتسباته، أو العبث بمنشآته، أو تفريق شمله، أو الإضرار بوحدته الوطنية، أو التشكيك في إخلاص أبنائه ورجاله الـمخلصين وسلامة نياتهم، فالوطن تلك الكلمة التي تعبر بها عن المكان الذي تعيش فيه فهو جزء منك لا يتجزأ فهو أنت وأنت هو، وأن هناك أمور كثيرة تقتضي منا أن نقوم بها تجاه وطننا تصل إلي حد الواجب الذي لابد من القيام به فحب الوطن من الإيمان ومن هذه الواجبات، إن الوطن هو جزء من العقيدة والإيمان الراسخ بالله عز وجل وهذا ما نتعلمه من سيرة الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم فقد جعل الوطن في مقدمة الأشياء التي يجب أن تكون ضمن عقيدة راسخة للمسلم، فحب الوطن من الإيمان.

فموطن الإنسان منا أحب إليه من نفسه وولده وأغلي عنده من ماله وكل ما يملك لذلك عد رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يموت في سبيل الدفاع عن أرضه من الشهداء، وقرنه مع الدفاع عن النفس والمال والعرض والأهل يقول صلي الله عليه وسلم ” من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينة فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد” رواه الترمذى، ولما خرج رسول الله صلي الله عليه وسل مهاجرا من مكة إلى المدينة كما روي عنه وقف علي الحزورة، وهى سوق ونظر إلى البيت وقال “والله انك لأحب أرض الله إلي وانك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك” رواه الترمذي والنسائي، ورغم فساد أهلها وظلمهم له ومحاربتهم لدعوته ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم يعطينا درسا في الانتماء فيقول صلى الله عليه وسلم في رواية أخري “ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك” قاله لمكة.

وهذا يشير إلى مدي حب رسول الله صلي الله عليه وسلم لبلده مكة المكرمة موطن ولادته ونشأته وفيها البيت الحرام ولأنها منزل الوحي ولأن بها الأهل والأقربين ولأن بها مآثر إبراهيم عليه السلام، لذلك كانت السيدة عائشة رضي اله عنها دائما تقول “ما رأيت القمر أبهي ولا أجمل مما رأيته في مكة” وذلك كناية علي حبها وعشقها وشدة حنينها للوطن، وإن حب الوطن هو دافع على المحافظة علي منشآت الوطن والمال العام من التخريب والإهدار والفساد، فمن أجل حماية الأوطان نهي الإسلام عن الفساد، وفي حقيقة الأمر أن الفساد دمار للأفراد والمجتمعات والأمم وقد أشار الرسول صلي الله عليه وسلم إلي ذلك وضرب مثلا بأن الناس جميعا في سفينة واحدة، فهي تسير عندما يتحقق العدل والطهر والنقاء والتمسك بمكارم الأخلاق، ولكن عندما ينحرف طائفة في المجتمع وتعيث في الأرض فسادا ولم يقم من يأخذ علي أيديهم ويمنعهم عن هذا الفساد.

وهذا الانحراف تغرق السفينة بالجميع وهذا ما يبينه رسول الله صلي الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة منها، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال” مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا” رواه البخاري، فقد حرم الإسلام الغلول وهو الاختلاس من المال العام، فقال تعالي فى سورة آل عمران “وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ” ويقول تعالى “وما كان لنبي أن يغل” فقال ابن عباس رضى الله عنهما إن هذه الآية “وما كان لنبي أن يغل” نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله أخذها فأكثروا في ذلك.

فأنزل الله “وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ” وكذا رواه أبو داود والترمذي، وهذا تنزيه له صلوات الله وسلامه عليه من جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك ثم قال تعالى “ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون” وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضا في أحاديث متعددة، فعن أبي مالك الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض تجدون الرجلين جارين في الأرض، أو في الدار، فيقطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعا فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة” رواه أحمد، وعن المستورد بن شداد يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول” من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا أو ليست له زوجة فليتزوج أو ليس له خادم فليتخذ خادما أو ليست له دابة فليتخذ دابة ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال” رواه أحمد و أبو داود.

والغال هو الذي سرق من الغنائم ومن المال العام وهو ما يسمي بالاختلاس فهو أخذ من المال العام خلسة وخفية فيكون الجزاء من جنس العمل فلم يصلي عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم فعن زيد بن خالد الجهني أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “صلوا على صاحبكم ، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال إن صاحبكم غل في سبيل الله، ففتشنا متاعه, فوجدنا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين” وروي عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إياك والذنوب التي لا تغفر الغلول فمن غل شيئا أتي به يوم القيامة وآكل الربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبط ثم قرأ “الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس” رواه الطبراني، وعندما يسود الفساد المجتمع فيري الفاسد أن الرشوة والاختلاس حق مشروع له.

ويستحله لنفسه دون الرجوع إلي الشرع والدين ودون وازع من ضميره ودون رادع من نفسه اللوامة فيأخذ أموال الناس دون التفرقة بين الرشوة والهدية ويستولي علي المال العام ويستبيحه لنفسه فهذا مالا يرضاه الرسول صلي الله عليه وسلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock