بقلم / محمـــد الدكـــروري
وكما حفظ الله سبحانه وتعالى في الإسلام للوالدين وهما الأم والأب، حقهما على أولادهما كل الحفظ، وإن أعظم القيم وأساسها الإيمان بالله سبحانه وتعالى، فمنه تنشأ، وبه تقوى، وحين يتمكن الإيمان في القلب يجعل المسلم يسمو فيتطلع إلى قيم عليا، وهذا ما حدث لسحرة فرعون فإنهم كانوا يسخرون إمكاناتهم وخبراتهم لأغراض دنيئة، فقال الله تعالى فى سورة الأعراف ” وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين” فلما أكرمهم الله بالإيمان انقلبت موازينهم وسمت قيمهم، هددهم فرعون فأجابوا بقولهم، كما جاء فى سورة طه “لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذى فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا” وإن الثبات على القيم حصانة للمجتمع من الذوبان، وبه تفيض عليه طمأنينة، وتجعل حياته وحركته إلى الأمام، ثابتة الخطى، فهى ممتدة من الأمس إلى اليوم، لأنها في إطار العقيدة وسياج الدين، وقد حرم الإسلام كل عمل ينتقص مِن حق الحياة.
سواء أكان هذا العمل تخويفا، أو إهانة، أو ضربا، أو اعتقالا، أو تعذيبا، أو تطاولا، أو طعنا في العرض، فإن حياة الإنسان المادية والأدبية موضع الرعاية والاحترام، فعن هشام بن حكيم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا” رواه مسلم، فحق الحياة وحرمتها يستتبع توافر السلامة والأمان، ومن هنا أوصد الرسول صلى الله عليه وسلم الأبواب أمام كل من يستهينون بأقدار الآخرين وحقوقهم، خصوصا الحكام الذين قد يدهمون البيوت لتفتيشها، أو يعتقلون خصومهم، واعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم النظرة المجردة داخل بيت الإنسان اعتداء على حرمته، فقال في الحديث الذين رواه احمد، عن أبى ذر الغفارى رضى الله عنه “أيما رجل كشف سترا فأدخل بصره قبل أن يؤذن له فقد أتى حدا لا يحل له أن يأتيه، ولو أن رجلا فقأ عينه بسبب ذلك لهدرت” أي لا يأخذ عليها دية.
ونهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم فقال “لا يحل لمسلم أن يروع مسلما” رواه أبو داود، وفى رواية أخرى “لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم” رواه البزار، وقال في حديث آخر”لا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه” رواه الطبراني، فتعريض الإنسان لأي فزع جريمة، وحق الحياة الآمنة من المخاوف والمظالم لا بد من إنباته في حياة الجماعة، وتصل العظمة بالرسول صلى الله عليه وسلم الرائد الأول والأعظم لحقوق الإنسان، حين يحفظ للإنسان كرامته بعد موته، فقد قال لمن أراد أن يكسر عظم ميت “لا تكسره فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيا” رواه مالك، وابن ماجه، وأبو داود، وأمر بالترفق بالميت فقال “إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه” رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ودعا إلى ستر سوءة الميت وعيوبه الشخصية، فقال “لا تسبوا الأموات، فإنهم أفضوا إلى ما قَدموا” رواه البخاري.
وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودي، ولما عجب بعض الصحابة من ذلك نبههم إلى أن ذلك التكريم لمحض آدميته، ولمجرد إنسانيته، فحق الحياة مصون في ظل الرسالة المحمدية، وفى غياب هذه الرسالة والهدي النبوي الكريم تنتشر المذابح والمجازر الجماعية، ويصبح قتل النفس كشربة ماء، وما يحدث في العديد من مناطق الصراع اليوم خير شاهد على ذلك، وإن موضوع القيم ممتد في حياة المسلمين فلا يقوم مجتمع مسلم تقي نقي حتى تحتل فيه القيم منزلتها الرفيعة في سلوك الفرد والأمة والمجتمع، وإن من القيم هو بر الوالدين، الإنفاق، الصدق، الوفاء، إعمار الأرض، استثمار الوقت، إتقان العمل، الإنصاف، الشعور بالمسؤولية، أداء الفرائض، الامتناع عن المحرمات، وإن من قيم الإسلام الخالدة هو الصبر، وحب الخير، وجهاد النفس والهوى والشهوة، وإن من القيم الإسلامية هو الحياء، والعفة، والاستقامة، والفضيلة، والحجاب.
ولقد كانت هذه القيم وغيرها مغروسة في أجيال السلف الصالح قولا حكيما وفعلا ممارسا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت مصابيح تربوية في ليله ونهاره وصبحه ومسائه، فأضاءت سيرته الطريق لأجيال الصحابة، فتشربوا القيم الخالدة، حتى غدت نفوسهم زكية وعقولهم نيرة، وغيروا بذلك الدنيا وأصلحوا الحياة، ولم يعرف الخلق منذ النشأة الأولى مجتمعا تجلت فيه القيم بأسمى معانيها مثل المجتمعات الإسلامية، فإن الدعوة الإسلامية رسخت القيم، انتشرت بالقيم، تغلغلت في النفوس بما تحمل من قيم، شملت مختلف جوانب الحياة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية، منظومة متكاملة لا يمكن فصلها، وإنه تذبل القيم وتتوارى في المجتمع إذا ضعف التدين في الفرد والمجتمع، فعقوق الوالدين، والكذب والغش وتضييع الأوقات والاختلاط، خروج المرأة عن سياج الحشمة والعفاف، الانكباب على الدنيا، وغير ذلك.
زر الذهاب إلى الأعلى