دين ودنيا

وقفة مع الأمان هو سر الحياة الهادئة ” الجزء 2 “

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع الأمان هو سر الحياة الهادئة، وإن من وسائل تحقيق الأمن في المجتمع إصلاح ذات البين بين طوائف المجتمع، ومعنى ذات البين أى صاحبة البين، والبين في كلام العرب يأتي على وجهين متضادين، فالأول وهو الفراق والفرقة ومعناه إصلاح صاحبة الفرقة بين المسلمين بإزالة أسباب الخصام والتسامح والعفو، وبهذا الإصلاح يذهب البين وتنحل عقدة الفرقة، والثاني هو الوصل ومعناه إصلاح صاحبة الوصل والتحابب والتآلف بين المسلمين، وإصلاحها يكون برأب ما تصدع منها وإزالة الفساد الذي دب إليها بسبب الخصام والتنازع على أمر من أمور الدنيا، فإصلاح ذات البين عزيمة راشدة ونية خيرة وإرادة مصلحة.

والأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين، ويعيد الوئام إلى المتنازعين، إصلاح تسكن به النفوس وتأتلف به القلوب ولا يقوم به إلا عصبة خيرة من خلق الله، شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم وطابت منابتهم، ويكون ذلك بالحوار الطيب المقنع فالحوار من أفضل الطرق لقوام المجتمع ووحدته وائتلافه، والحوار الهادئ المقنع يفعل في أكثر الأحيان ما لا تفعله قوة المدافع والطائرات، وإذا كان كذلك، وأراد المسلمون أن يحموا أوطانهم، ويحفظوا وحدة أمتهم، فعليهم بالحوار لإصلاح ذات البين والاجتماع والتآلف فالاجتماع نعمة، والخلاف فرقة وشتات، وما فتئ القرآن يحذر من التنازع والخلاف، ويذكر بمصير المتنازعين.

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان له عامل على مدينة الأهواز وهذا العامل أراد أن يوسع داره، ولكن له جار مجوسي، يعبد النار، وهو جار حاكم الأهواز مجوسي، وما استنكف من جواره، ولكن قال لو بعتني دارك أضمها إلى داري لأن الناس يكثرون من الدخول عليّ وأنا عندي أولاد وعندي زوجات، فما تسع داري، قال له لا أبيعك إياه، قال له أنت حدد الثمن وأنا أدفع، قال ولو بألف ألف درهم، لا أريد، هل هناك قانون في كتابك وسنة نبيك يلزمني بالبيع، قال لا، وهذا الحاكم الناس ضيقوا عليه، وفود تأتي من العراق، ووفود تأتي من الشام، وفي يوم من الأيام من شدة الضيق، قال لعماله اهدموا الدار وهذا المال يا صاحب الدار إذا جئت خذ العوض.

فجلس صاحب الدار على عتبة الدار يبكي، فقالت له زوجته ما يبكيك؟ هل أنت امرأة؟ قال لا، لكن هذا ظالم هدم جداري وضم داري، قالت ألا تشكوه إلى أميره؟ قال ومن الأمير؟ قالت سمعت الناس يتحدثون أن له أميرا في مكان يسمى المدينة، اذهب واشكوه، قال وهل سيصنع لي شيئا؟ قال الناس يتحدثون عن عدله، فشد المجوسي الرحال، ودخل المدينة المنورة، وسأل أين ملككم؟ قالوا ليس عندنا ملك؟ فتذكر الكلمة التي قالتها زوجته، وقال أين أميركم؟ قالوا هناك، تجده تحت الجدار أو تحت النخلة، فذهب، فقال له أنت أميرهم؟ فقال بلى، وكان عمر طاويا شملته ونائما، فاعتدل رضي الله عنه، وقال مالك؟ قال له المترجم، يقول إن عاملك في الأهواز سلب منه داره عنوة.

فقال عمر لكاتبه بجواره، قال اكتب هذا ما كتبه أمير المؤمنين عبد الله، عمر بن الخطاب إلى عامل الأهواز، أعد الدار على صاحبها، أو احضر، ثم طوى الجلد وبحث عن خيط حتى يربطه، فلم يجد، فعاد إلى شملته وسلب منها خيط صوف وربط الكتاب وسلمه إلى المجوسي، والمجوسي لما رأى الحاكم ليس عنده خيط إلا من شملته، رمى الكتاب في خرجه، وذهب إلى زوجته يبكي، قالت ما يبكيك؟ قال لقد أتعبتيني كيف يقتص هذا الحاكم من هذا الظالم وهو لا يجد خيطا لرسالته وكتابه إليه؟ قالت ويحك، خذه إليه وسترى، فأخذه واستأذن وقدم له الكتاب، قال من أين؟ قال من عمر ، قال ماذا؟ وجف ريقه وقام وقعد، وفتح الكتاب وقرأه فكاد أن يقف قلبه “أعد الدار أو احضر”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock