دين ودنيا

وقفه مع الرأفة والرحمة وجبر الخواطر “الجزء الثامن


إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع الرأفة والرحمة وجبر الخواطر، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقدم عبودية الرحمة حتى وإن كان على حساب عبوديات أخرى، إذ أن الرحمة قد يكون لها حالتها الطارئة في الغالب، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أنّه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبى فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه” رواه البخاري ومسلم، ويقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى “اللهم إن لم أكن أهلا أن أبلغ رحمتك، فإن رحمتك أهل أن تبلغني، رحمتك وسعت كل شيء وأنا شيء، فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنك خلقت قوما فأطاعوك فيما أمرتهم، وعملوا في الذي خلقتهم له.

فرحمتك إياهم كانت قبل طاعتهم لك يا أرحم الراحمين” وقال ابن القيم رحمه الله تعالى، إن الرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه وشقت عليها، فهذه هي الرحمة الحقيقيّة، فأرحم الناس من شق عليك في إيصال مصالحك ودفع المضار عنك، فمن رحمة الأب بولده أن يكرهه على التأدب بالعلم والعمل، ويشق عليه في ذلك بالضرب وغيره، ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنه يرحمه ويرفهه ويريحه، فهذه رحمة مقرونة بجهل، وإن من فوائد الرحمة، أنه لا يستحق رحمة الله تعالى إلا الراحمون الموفقون، وأن الرحمة في الإسلام عامة وشاملة لا تخص أحدا دون أحد، ولا نوعا دون نوع.

وأن الاجتماع على الحق دليل الرحمة والافتراق هو دليل الشقاء، وأن إشاعة الرحمة بين أفراد المجتمع ترفع من مستواه وتجمع شمله، ولا شك أن كل إنسان منا قد حفر في ذاكرته أشخاصا كان لهم الدور الفاعل والعمل الدؤوب بمواقف سُطرت وحُفظت سواء بالقول أو الفعل، أو رسالة أو فكرة، أو كلمة خير جبرت نفوسا، وأثلجت صدورا، فهذه المواقف تحفظ ولا تنسى، كما لم ينسى النبي عليه الصلاة والسلام موقف المطعم بن عدي حين أدخله في جواره يوم عودته من الطائف حزينا أسيفا، فقال صلى الله عليه وسلم يوم أسر أسرى بدر “لو كان المطعم بن عدي حيا، وكلمني في هؤلاء النتنى، لأجبته فيهم” رواه البخاري، فإن هذه المواقف وغيرها تدعونا للإحسان إلى الخلق.

وجبر خاطرهم، فما أجمل أن نتقصد الشراء من بائع متجول في حر الشمس، يضطر للسير على قدميه باحثا عن رزقه مساعدة له وجبرا لخاطره وما أروع أن نقبل اعتذار المخطئ بحقنا، وخصوصا عندما نعلم أن خطأه غير مقصود وأن تاريخ صحبتنا معه طيب نقي، فالصفح عنه ومسامحته تطيب نفسه وتجبر خاطره وتبادل الهدايا بين الأقارب والأصدقاء والأحباب، من أجمل ما يدخل الفرحة للقلب والهناء للنفس، وهي سبيل الحب، وبِساط الود، وطريق الألفة لقوله صلى الله عليه وسلم “تهادوا تحابوا” رواه البخاري، وإن البر بأرقى صوره أن تشتري لوالديك ما يحتاجان وتفاجئهما بما يفقدان دون طلب منهما أو سؤال، بل كرم منك وتبرع.

ففي هذا الفعل أجمل ما يُسطر من جبر الخواطر، وإدخال الفرح والسرور على قلوبهما، كما لا ننسى صاحب الحاجة والمسكين الذي انكسر قلبه، وذلت نفسه، وضاق صدره، ما أجمل أن نجعل له من مالنا نصيبا، ومن طعامنا ولو الشيء القليل، ومن دعائنا ما نستطيع بذلك نجبر كسرهم، ونطيب قلوبهم، ولا نشعرهم بالنقص، وفي هذا الزمان تشتد الحاجة إلى مواساة الناس، والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظرا لشدة الظلم الاجتماعي في هذا الزمان، وفساد ذمم الناس واختلاف نواياهم، ففي مجتمعاتنا ترى أن هذه معلقة لا هي زوجة، ولا هي مطلقة، وهذه أرملة، وذاك مسكين، وهذا يتيم، والآخر عليه ديون وفي حالة غم وهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock