إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم أما بعد، إن الله تعالي يقول ” إن الله يحب المقسطين” وهو إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم، فيبرون من برهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم، وإن الشريعة الإسلامية المباركة تحثنا على قضاء حوائج غير المسلمين المسالمين لنا، حيث قال عبدالله بن أبي حدرد لما قدمنا مع عمر بن الخطاب الجابية وهو مكان إذا هو بشيخ من أهل الذمة، أي من غير المسلمين يستطعم، أي يطلب طعاما من الناس فسأل عنه، فقلنا يا أمير المؤمنين.
هذا رجل من أهل الذمة كبر وضعف، فوضع عنه عمر الجزية التي في رقبته، وقال كلفتموه الجزية حتى إذا ضعف تركتموه يستطعم، فأجرى عليه من بيت المال عشرة آلاف دراهم، وكان له عيال، ومعنى أهل الذمة هي العهد، والأمان، والضمان، والحرمة، والحق، وسمي أهل الذمة بذلك لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم، وقيل أنه كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق، زمن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقال فيه أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة، أو كان غنيا، فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام، وقيل أنه كتب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إلى عدي بن أرطاة.
وهو أمير البصرة انظر من عندك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجري عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلا من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال “ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك” قال ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه، و في الإنفاق والتصدق يروى لنا الإمام الترمذي عن أبي سلمة أن الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أوصى بحديقة لأمهات المؤمنين بيعت بأربعمائة ألف.
ويقول محمد بن إبراهيم رحمه الله كان طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه يغل أي ما يحصل عليه بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار، أو أقل أو أكثر، وبالأعراض له غلات، وكان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا، أي محتاجا إلا كفاه مؤونته أي نفقته، ومؤونة عياله، وزوّج أياماهم، أي من لا زوج له وأخدم عائلهم وقضى دين غارمهم، ولقد كان يرسل إلى السيدة عائشة رضي الله عنها إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى طلحة بن عبيدالله عن صبيحة التيمي ثلاثين ألف درهم، وقيل أنه اشترى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما غلاما بأربعين ألفا، وأعتقه، فقال الغلام يا مولاي، قد أعتقتني، فهب لي شيئا أعيش به، فأعطاه أربعين ألف درهم.