الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن أمور الطلاق وأنواعه، وأن المطلقة الرجعية يجب أن تبقى في بيت زوجها حتى تنتهي عدتها، وفي هذه الحال في بقائها في بيت زوجها لها أن تكشف له، وأن تتزين، وأن تتجمل، وأن تتطيب، وأن تكلمه ويكلمها، وتجلس معه، وتفعل كل شيء ما عدا الإستمتاع بالجماع أو المباشرة، فإن هذا يكون عند الرجعة، وله أن يراجعها بالقول، فيقول راجعت زوجتي، وله أن يراجعها بالفعل، فيجامعها بنيّة المراجعة، وأن يتلطف في التعليل بتطليقها من غير تعنيف أو إستخفاف.
والإبقاء على ودّها، وتطييب قلبها بهدية على سبيل الإمتاع والجبر لخاطرها لما فجعها به من أذى الطلاق، وألا يبخسها أي حق من حقوقها، وأن يكون رجلا في موقفه منها، وأن يكون شهما في معاملته لها بعد الطلاق، فلا يلوكها بلسانه بما يسيء إليها بحق أو بباطل، ولا يلجئها إلى المحاكم في سبيل الحصول على حقوقها من نفقة أو حضانة امتثالا لقول الله تعالى ” ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير” وألا يفشي سرها لا في الطلاق ولا عند النكاح، فقد روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها” وروي عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأته فقيل له ما الذي يريبك فيها؟
فقال العاقل لا يهتك ستر امرأته، فلما طلقها قيل لم طلقتها؟ فقال ما لي ولامرأة غيري، وروي أيضا أن رجلا طلق زوجته، فسأله أحد الناس عن السبب في طلاقها، فقال كنت أصون لساني عن ذكر عيوبها وهي زوجتي، فكيف أستبيح ذلك وقد صارت أجنبية عني؟ فهذه جملة من الآداب الإسلامية، ولو أن كل من أراد الطلاق التزم بها، وطبق النصوص الشرعية في آداب الطلاق، لما رأينا تلك المشاهد المؤلمة في ساحات الحياة اليومية، فيا أيها الزوج تريّث فيما أنت قادم عليه، فإذا أردت الطلاق، فاستشر العلماء، وراجع الحكماء، والتمس أهل الفضل والصلحاء، واسألهم عما أنت فيه، وخذ كلمة منهم تثبتك، ونصيحة تقويك، فإذا أردت الطلاق، فاستخر الله، وأنزل حوائجك بالله، فإن كنت مريدا للطلاق، فخذ بسنة حبيب الله صلى الله عليه وسلم.
وطلقها طلقة واحدة في طهر لم تجامعها فيه، لا تطلقها وهي حائض، فتلك حدود الله ” ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه” وإذا طلقتها، فطلقها طلقة واحدة لا تزيد، وليس من مسالك البناء والعناية والصيانة لمكانة الأسرة أن يتذاكر الناس دورها وأثرها دون تعزيز قيم الأسرة المسلمة، وممارسة بنائها من خلال بيئة أسرية صالحة تطبق ما تعلق بالأسرة من تشريعات وأحكام مرتبطة بأطوار تكون الأسرة، والارتقاء بعلاقة أطرافها، فيجب أن يتصاحب التنظير مع التطبيق في التربية الأسرية، ومن الأسس الداعمة لبناء متكامل لمفهوم الأسرة في الإسلام هو نشر الوعي من خلال المنابر العلمية ومراكز التواصل الاجتماعي ومن ذلك خطب الجمعة التي تعد من مصادر البلاغ والتوجيه في الواقع، ومن الجميل أن يكون الخطيب من أدوات تنفيذ إستراتيجية بناء المجتمع ومنه الأسرة.