الدكروري يكتب عن ضياع أساس الصلاح في النفوس
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله له الحمد في الأولى والآخرة، أحمده وأشكره على نعمه الباطنة والظاهرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، هدى بإذن ربه القلوب الحائرة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه نجوم الدجى والبدور السافرة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين، أما بعد لقد أمرنا الله عز وجل بتأدية الأمانة، وإن وراء الأمانة لسؤال ونقاش وجزاء، هكذا تحملها الإنسان، فليؤدها بكل جوانبها وحقوقها، والمجتمع الأمين يقدر الأمناء في كل مسؤولياتهم، يجل فيهم سمو أخلاقهم وقوة إرادتهم ويبقي لهم ذكرا خالدا في الأنفس وعلى سطور التاريخ، فوالله إنك لتسمع مثلما أسمع عن ذلك التاجر في صدقه وأمانته حتى ترى من الناس معه إقبالا وحبا وجميل معاملة.
ونبل تعاون لأنه ترفع بأمانته عن الغبن في الأسعار، والغش في البضاعة فيعطيه الله تعالى بركة في رزقه وصحته وذريته، فكم ترى الحرمان من السعادة في حياة الغشاشين وهموا بغشهم لغيرهم أنهم أكثر ذكاء وفطنة ودهاء، غير أنهم باءوا بالإحتقار والإزدراء من عامة الناس قبل خاصتهم سمعوا ذلك بأنفسهم، أو لاكتهم الألسنة من خلف ظهورهم في الدنيا، أو حكمت عليهم بعد موتهم، فبئس الخيانة وصفا وذكرا وشؤما، ويعظم خطر الأمانة حينما ندرك أنه معنى خفي، إقامته على وجهه ورعايته كما يجب إنما يصدر من قلب صادق مع الله تعالي، ومن نفس قوية الإيمان ومن يد كريمة لم تتجرع ذل البخل ولا دناءته ومن عين لا يبهرها بريق الخيانة الزائف، وإن للأمن لنفس لوامة لا تتركه يتطاول على حقوق غيره ظلما أو بهتانا.
أو سرقة أو غلولا، وإلا فأين الأمانة؟ فلا ترجع الأنفس عن غيها ما لم يكن منها لها زاجر، فقف بكل حزم أمام هذه النفس التي تنتشلك من سمو الأمانة إلى مهاوي الخيانة لتقول لها قفي أيتها النفس، فالله بصير بحالي، سميع لكلامي، لا بركة لي في غير حقي، ولا حق لي في ملك غيري وسيسألني الله عن الصغيرة والكبيرة، فيا لقوة المحاسبة ونجاح النتيجة، نفس مؤمنة أمينة ومجتمع نزيه نظيف وحضارة على أسس متينة ورب راضٍ غير غضبان، وإن من علامات الساعة الصغرى هو ضياع الأمانة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” إذ ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة” رواه البخاري.
فإنه مؤشر خطير ودقيق على ضياع أساس الصلاح في النفوس، فماذا يبقى للناس إذا فقدوا الأمانة بينهم، فخانوا الله في دينهم وخانوه في أعمالهم وخانوه في حوائج الناس الذين استأمنوهم على قضائها، لقد أصبح فئام من مجتمعنا بعد أن استرعاهم الله تعالي على بعض أمورنا يتفننون في التهرب من أداء أمانتهم الملقاة على عواتقهم، ويتباهون بأخذ رواتبهم من غير تعب ولا نصب، بل ويجاهرون بتحصيل الأموال الطائلة في تجارتهم بالغش والتحايل، إنه حال مؤسف حقا حينما يصير الرجل خائنا بعد أن كان أمينا وهذا إنما يقع لمن ذهبت خشيته لله تعالي، وضعف إيمانه وخالط أهل الخيانة، يدفعونه نحوها، ويحثونه عليها، فقد يتردد مرارا في إضاعتها غير أنه بعد مخالطتهم يستمر الخيانة لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم ولنفسه ولأمته، حتى يصبح داعية إليها، ينشر الخور بين الناس.
فإذا كثر هذا الصنف من الخائنين فلننتظر الساعة إن المسؤولية العظمى كما بين النبي صلي الله عليه وسلم تقع في إسناد الأمر إلى غير أهله لأن في ذلك تضييعا لحقوق الناس واستخفافا بمصالحهم وإيغارا لصدورهم وإثارة للفتن بينهم فالواجب التحري فيمن يولى على حوائج المسلمين لتوضع بين يدي من يخاف الله فيهم ويرعى ذممهم فالناس تبع لمن يتولى أمرهم وإن الله سائل كل راع عما استرعاه، والمدارس والأسر والمساجد هي محاضن الأمانة، فيها ينبغي أن يربى الجيل على الأمانة لينشأ عليها وينطلقَ في مسارها فما بالها تفتقر إلى شيء منها، فهل راجع المربون بإختلاف مسؤولياتهم أنفسهم في شأن الأمانة ؟ إنه لو كل فرد منا من أكبر مسؤول إلى أقلهم مسؤولية تقلد الأمانة بحقها وأداها على وجهها لسارت الأمة على سفينة آمنة لا تضرها الأمواج ولا تخرقها أيدي العابثين.
زر الذهاب إلى الأعلى