الدكروري يكتب عن حتي تقوم النهضة الحضارية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 14 مايو 2024
الحمد لله رب العالمين العلي الأعلى، أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ووفق العباد للهدى، ونصلي ونسلم ونبارك علي من لا نبي بعده رسولنا وحبيبنا محمد صلي الله عليه وسلم ثم أما بعد إن نهضة الأمم والشعوب، تتوقف علي قوتها في إيمانها وفي عملها وفي إنتاجها، وفي إتقانها للعمل، والإخلاص فيه، ولا يمكن أن تتحقق نهضة حضارية لأمة من الأمم إلا بتحقيق عنصرين أساسيين عنصر الإيمان، وعنصر العمل، لأن أي نهضة أو حضارة بدون إيمان لا تكون محققةٌ للخير والعمران، بل تكون حضارة مادية لا سلام فيها ولا استمرار لها، أما حين تقوم النهضة الحضارية علي الإيمان والعمل، فإنها تكون حضارة إعمار واستمرار، وإن من بين السلبيات التي تجعل حضارة المجتمع في تراجع هو الخيانة في العمل وعدم الوفاء بأمانة العمل.
إما عن طريق أن يوسد العمل إلي غير أهله وإما بإهدار المال العام وكلاهما أبشع أنواع الخطر علي تقدم المجتمع وحضارته، أما توسيد العمل إلي غير أهله فيترتب عليه خلخلة المؤسسة أو الإدارة وعدم إستقرارها وثباتها، وفي التأكيد علي المحافظة علي الإستقرار كان توجيه الإسلام واضحا في بيان أن الأمر إذا وسٌد إلي غير أهله فلننتظر الساعة كناية عن إنتهاء الحياة والإستقرار وعندما سئل الرسول صلي الله عليه وسلم عن الساعة وقال له رجل متي الساعة؟ قال “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقال وكيف إضاعتها؟ قال “إذا وسدّ الأمر لغير أهله فأنتظر الساعة” رواه البخاري، وقيل أنه بينما كان الرجل يسير بجانب البستان وجد تفاحة ملقاة على الأرض فتناول التفاحة وأكلها ثم حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه فأخذ يلوم نفسه.
وقرر أن يرى صاحب هذا البستان فإما أن يسامحه أو أن يدفع له ثمنها، وذهب الرجل لصاحب البسان وحدثه بالأمر، فأندهش صاحب البستان لأمانة الرجل، وقال له ما اسمك؟ قال له ثابت، قال له لن أسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط، أن تتزوج ابنتي واعلم إنها خرساء عمياء صماء مشلولة، إما أن تتزوجها وإما لن أسامحك في هذه التفاحة فوجد ثابت نفسه مضطرا، يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الاخرة، فوجد نفسه يوافق على هذه الصفقة وحين حانت اللحظة التقى ثابت بتلك العروس، وإذ بها آية في الجمال والعلم والتقى، فأستغرب كثيرا، لماذا وصفها أبوها بأنها صماء مشلولة خرساء عمياء، فلما سألها قالت أنا عمياء عن رؤية الحرام، خرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله تعالي ومشلولة عن السير في طريق الحرام.
وتزوج هذا ثابت بتلك المرأة وكان ثمرة هذا الزواج هو الإمام أبى حنيفة النعمان ابن ثابت، وإن من الأمانة العظيمة على كل مسلم في هذه الأرض هو حمل هذا الدين الحنيف الذي ارتضاه الله عز وجل لعبادة، وإبراز محاسنه العظام وفضائله الجسام، وإفهام العالم كله بالعلم والعمل بالسلوك والمظهر وأن هذا الدين الإسلامي السمح الحنيف هو خير ورحمة عامة للبشرية وصلاح للعالم فهو يحمل السعادة والسلام والفوز والنجاة في الدنيا والآخرة، فاتقوا الله عباد الله، وأدوا أماناتكم كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فإن الأمانة من أنبل الخصال وأشرف الفضائل وأعز المآثر والتي يحرز بها المرء الثقة والإعجاب وينال بها النجاح والفوز في الدنيا والآخرة وكفاها شرفا أن الله سبحانه وتعالي مدح المتحلين بها فقال “والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ” رواه أحمد، فالأمانة من الأخلاق الفاضلة وهي أصل من أصول الديانات وعملة نادرة تسعى لإقتنائها الشعوب والدول وهي ضرورة للمجتمع الإنساني، لا فرق فيها بين حاكم أو محكوم، أو صانع وتاجر أو عامل وزارع ولا بين غني وفقير أو رجل وامرأة فهي شرف للجميع ورأس مال الإنسان وسر نجاحه ومفتاح كل تقدم وسبب لكل سعادة.
زر الذهاب إلى الأعلى