الدكروري يكتب عن إحتفال إرتبط ببعث الحياة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ذي الجلال والإكرام حي لا يموت قيوم لا ينام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحليم العظيم الملك العلام، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام والداعي إلى دار السلام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، ثم أما بعد، يحتفل المصريون بواحد من أهم أعيادهم التاريخية، وهو شم النسيم أو عيد الربيع، ويتخذ طابعا أقرب للمهرجان الشعبي المتنوع، ويشترك المصريون بمختلف أديانهم وطبقاتهم الاجتماعية الاحتفال بطقوس عيد الربيع، بداية من تلوين البيض، وتناول الأسماك المملحة في سياقات اجتماعية مرحة كالخروج إلى المتنزهات وعلى ضفاف النيل، أو جمع شمل الأسرة في المنزل، وتمتد جذور الاحتفال بشم النسيم إلى مواريث فرعونية في احتفال ارتبط ببعث الحياة والإستمتاع بجمال الطبيعة في الربيع.
فيعود تاريخ الإحتفال بشم النسيم إلى ما يقرب خمسة آلاف عام مضت، أي إلى عهد الأسرة الفرعونية الثالثة، ويعتبر أقدم عيد غير ديني في العالم، ويرجح بعض المؤرخين أن شم النسيم يعود لأقدم من ذلك حيث كان يتم الإحتفال به في هليوبوليس الفرعونية، وكلمة شم النسيم هي تحريف لكلمة شمو في اللغة الهيروغليفية القديمة، والتي ارتبطت عند المصريين القدماء بتاريخ خلق الأرض، حيث كان القدماء المصريون يعتقدون أن شم النسيم هو أيام الزمان وبداية الخلق، وبمرور الوقت تحورت كلمة شمو إلى كلمة شم، ثم شم النسيم لإرتباط فصل الربيع بإعتدال الجو وتفتح الزهور، وكان الاحتفال بشم النسيم يبدأ مع الإعتدال الربيعي في الحادي والعشرين من مارس، أي مع بداية فصل الربيع.
واعتاد المصريون القدماء أن يجتمعوا كل عام في هذا اليوم عند الهرم الأكبر لمشاهدة غروب الشمس، وتربعها على قمة الهرم في منظر مهيب يتكرر إلى يومنا هذا، فبسبب تعامد الشمس على خط الاستواء تميل بالتدريج عند غروبها حتى تتربع قبل الغروب بدقائق عند قمة الهرم الأكبر، بعد ذلك يبدأ شعاع الشمس في اختراق الهرم تدريجيا، حتى يبدو أنه يقسمه لشطرين متساويين، ويستمر الانقسام حتى غروب الشمس حيث تسقط أشعة الشمس على الجانب الجنوبي للهرم، فيبدو وكأنه هرمان متطابقان، ومازالت هذه الظاهرة تحدث حتى اليوم مع كل اعتدال ربيعي، فيبدو كأن الهرم ينشطر قبل غروبها في السادسة مساء الحادي والعشرين من مارس، وارتبط شم النسيم منذ عهد الفراعنة ببعض الأطعمة التي كان لها مدلول خاص عند المصريين القدماء.
فكل طعام كان يرمز لهدف معين فالفسيخ يعتبر من أشهر الأكلات المصرية التي تمتد لعهد الفراعنة، وهو عبارة عن السمك البوري الذي يتم تمليحه وحفظه بعناية فائقة، وشاع إستخدامه في عهد الأسرة الخامسة كوسيلة لتقديس نهر النيل وعطاياه، أما اليوم فهو يؤكل مع سمك الرنجة المدخن كتقليد ورمز لهذا العيد ولا يُمكن الاستغناء عنه، وأما البصل الأخضر فهو معروف بفوائده العظيمة للجسم وقدرته على تقوية جهاز المناعة، فكان يرمز عند قدماء المصريين للتمسك بالحياة وهزم الأمراض وعدم الإستسلام للموت، وكانوا يعلقونه في الشرفات وحول رقابهم وتحت وسائدهم بالإضافة لأكله، وكما كان الخس أحد النباتات المقدسة عند المصريين القدماء وكان رمزا لإله الخصوبة، فكانوا يدعون أن له قدرة على زيادة القدرة الجنسية.
وهذا ما تم إثباته بالفعل خاصة زيت الخس لاحتوائه على فيتامين هـ بكثرة، أما الملانة أو نبات الحمص الأخضر، فقد كان دلالة على قدوم فصل الربيع، فامتلاء الثمرة كان يعني أن الربيع قد حل.
زر الذهاب إلى الأعلى