الدكروري يكتب عن الحفاظ على المال العام والخاص
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا أما بعد إن مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى لا تظهر فقط في خلق الإنسان، إنما تظهر في الكون كاملا، إذ ينظر الإنسان إلى السماء فيرى الشمس تشرق على الأرض فتضيئها وتساعد النباتات والأشجار على النمو فتنضج الثمار التي يتغذى عليها الإنسان والحيوان، فيدرك الإنسان عظمة الخالق سبحانه، وقد خلق الله سبحانه الشمس وجعل بينها وبين الأرض مسافة محددة إن زادت احترقت الأرض وإن قلت تجمدت الأرض، فسبحان من خلق وقدّر، وينظر الإنسان إلى السماء في الليل فيرى القمر والنجوم المتلألئة تنير الأرض وتزينها وقد استدل الإنسان على الاتجاهات بالنجوم منذ القدم.
أما القمر فيستطيع الإنسان من خلال تغير أشكاله وأطواره أن يعرف الزمن، لذلك هناك توقيت قمري، وقد ذكر الله سبحانه منازل القمر، ومن خلال توالي ظهور الشمس والقمر يأتي الليل والنهار وتتوالى الأيام، فيميز الإنسان الوقت ويدرك الزمن ويعد الأيام والفصول، فيسعى في الأرض نهارا ليقضي حوائجه ويمارس حياته الطبيعية أما في الليل فيسكن الإنسان وينال ما يحتاجه من الراحة ليكون قادرا على استجماع طاقته والنهوض للسعي في صباح اليوم التالي، وإن هناك ظاهرة تؤرق الغيورين المجتهدين في التغيير، وتؤرق الاقتصاديين التواقين إلى الاستثمار الحلال للأموال، وتؤرق السياسيين الذين يعملون لإيجاد مخرج من مأزق هذه الآفة الخطيرة، التي أصبحت عندنا أخطبوطا يتنامى يوما عن يوم، كلما حاول أصحاب النوايا الحسنة محاربته، كلما ازداد شراسة وضراوة.
حتى صار واقعا يوميا، في الإدارات العمومية، والخاصة، وفي معظم المصالح التي أنشئت لخدمة المواطن، حتى قيل بأنها أقدم مهنة في البلاد، إنها الرشوة، التي أَرّقت العالم، فجعل لها يوم عالمى، ومع ذلك، لا تزيد الرشوة إلا استفحالا، متخذة طرقا جديدة، ووسائل فيها من المكر والخبث، ما جعل أصحابها في مأمن من المحاسبة، نعم، المحاسبة التي كانت في الإسلام مبدأ عظيما للحفاظ على المال العام والخاص، فقد استعمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبو هريرة رضي الله عنه على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فَقَال له عمر “استأثرت بهذه الأموال، فمن أين هذا ؟” قال “خيل نتجت، وغلة رقيق لى، وأعطية تتابعت علي” قال ابن سيرين ” فنظروا، فوجدوه كما قال” فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليستعمله، فأبى أن يعمل له.
فقال له عمر” تكره العمل وقد طلبه من كان خيرا منك؟ طلبه يوسف عليه السلام؟” فقال أبو هريرة “إن يوسف نبي، ابن نبي، ابن نبي، ابن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة، وأخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلم، أو يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضى” فهكذا كان الأمين على أموال المسلمين يسأل عن سبب ثراء موظفيه، وهكذا كان الموظفون يستقيلون من وظائفهم إذا علموا أن أصابع الشك قد تشير إليهم، وإمعانا في الاحتياط من استغلال النفوذ، قال العلماء “لا ينبغي للقاضي أن يتولى الشراء لنفسه، خشية المحاباة، ولا يشترى له من يُعلم أنه من طرفه، حفاظا على القاضي من ريبة الرشوة” ومن الصور المشرقة لورع الولاة وحرصهم على الأموال العامة للمسلمين، ما نقله ابن الجوزي عن موسى بن عقبة قال
“لما ولي عياض بن غنم رضي الله عنه، قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته، فلقيهم بالبشر، وأنزلهم وأكرمهم، فأقاموا أياما ثم كلموه في الصلة، وأخبروه بما لقوا من المشقة في السفر رجاء صلته، فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير، وكانوا خمسة ، فردوها، وتسخطوا، ونالوا منه، فقال أي بني عم، والله ما أنكر قرابتكم، ولا حقكم، ولا بعد شقتكم، ولكن والله ما حصلت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي، وببيع ما لا غنى بي عنه، فاعذرونى، قالوا والله ما عذرك الله، فإنك والي نصف الشام، وتعطي الرجل منا ما جهده أن يبلغه إلى أهله؟ قال فتأمرونني أسرق مال الله؟ فوالله لأن أشق بالمنشار أحبّ إليّ من أن أخون فلسا أو أتعدى”
زر الذهاب إلى الأعلى